{ منهم المؤمنون } كعبد الله بن سلام وأخيه وثعلبة بن سعيد ومن أسلم من اليهود كالنجاشي وبحيرا من أسلم في النصارى إذ كانوا مصدقين برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وبعده وعلى هذا يكون أهل الكتاب ليس عاما إذ قد وجد الإيمان من بعضهم.
{ لن يضروكم إلا أذى } هاتان الجملتان تضمنتا الاخبار بمعنيين مستقبلين وهو أن ضررهم إياكم لا يكون إلا أذى أي شيئا تتأذون منه لا ضررا يكون فيه غلبة واستئصال ولذلك ان قاتلوكم خذلوا وبصرتم، وكلا هذين الامرين وقع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأضرهم أحد من أهل الكتاب ضررا يبالون به ولا قصدوا جهة كافر إلا كان النصر لهم والغلبة عليهم إلا أذى استثناء متصل وهو يفرغ من المصدر المحذوف والتقدير لمن يضروكم إلا ضررا يسيرا لا نكاية فيه ولا إجحاف.
{ ثم لا ينصرون } هذا استئناف إخبار انهم لا ينصرون أبدا ولم يشرك في الجزاء فيجزم لأنه ليس مترقبا على الشرط بل التولية مترتبة على المقاتلة والنصر منفي عنهم أبدا سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا إذ تبع النصر سببه الكفر فهي جملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء كما أن جملة الشرط والجزاء معطوفة على أن يضروكم إلا أذى وليس امتناع الجزم لأجل ثم كما زعم بعضهم زعم أن جواب الشرط يقع عقيب المشروط، قال: وثم للتراخي فلذلك لم تصلح لجواب الشرط والمعطوف على الجواب كالجواب وما ذهب إليه هذا الذاهب خطأ لأن ما زعم أنه لا يجوز قد جاء في أفصح الكلام. قال تعالى:
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم
[محمد: 38] ثم لا يكونوا أمثالكم فحزم المعطوف ثم على جواب الشرط وثم هنا ليست للمهلة في الزمان وإنما هي للتراخي في الاخبار، فالإخبار بتوليهم في القتال وخذلانهم والظفر بهم أبهج وأسر للنفس ثم أخبر تعالى بعد ذلك بانتفاء النصر عنهم مطلقا.
{ أين ما ثقفوا } عام في الأمكنة وهو شرط وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله ومن أجاز تقديم جواب الشرط ، قال: ضربت جواب الشرط.
{ إلا بحبل من الله } ظاهره انه استثناء منقطع قاله الفراء والزجاج، واختاره ابن عطية، وقال: لأن بادىء الرأي يعطي أن الحبل من الله ومن الناس يزيل ضربت الذلة وليس الأمر كذلك وإنما في الكلام مذوق يدركه فهم السامع الناظر في الأمور وتقديره في آيتنا فلا نجاة من الموت إلا بحبل، " انتهى ".
وعلى ما قدره لا يكون استثناء منقطعا لأن مستثنى من جملة مقدرة وهي قوله: فلا نجاة من الموت وهو معتل عتل على هذا التقدير فلا يكون استثناء منقطعا في الأول ضرورة أن الاستثناء الواحد لا يكون منقطعا متصلا وذهب الزمخشري وغيره إلى أنه استثناء متصل قال: وهو استثناء من أعم عام الأموال والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس يعني ذمة الله وذمة المسلمين أي لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية، " انتهى كلامه ".
وهو متجه وشبه العهد بالحبل لأنه يصل قوما بقدم كما يفعل حبل في الإجرام والظاهر في تكرار الحبل أنه أريد حبلان وفسر حبل الله بالإسلام وميل الناس بالعهد والذمة وقيل حبل الله هو الذي نص الله تعالى عليه من أخذ الخبرية والثاني هو هو الذي فوض إلى رأي الإمام فيزيد فيه وينقص بحسب الاجتهاد وفي هذه الآية توكيد بعموم الظرف في قوله: { أين ما ثقفوا } وبتكرار ضرب.
{ وبآءوا } الآية، تقدم تفسير نظيرها في البقرة وهنا الأنبياء جمع تكسير وهناك جمع سلامة وهنا بغير حق نكرة وهناك بغير الحق معرفة، وذلك من التفنن في الكلام.
Bog aan la aqoon