Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
ومن هنا يظهر أيضا أن هذا النهي أعني قوله: ولا تقربا، إنما كان نهيا تنزيهيا إرشاديا يرشد به إلى ما فيه خير المكلف وصلاحه في مقام النصح لا نهيا مولويا.
فهما إنما ظلما أنفسهما في ترك الجنة على أن جزاء المخالفة للنهي المولوي التكليفي يتبدل بالتوبة إذا قبلت ولم يتبدل في موردهما، فإنهما تابا وقبلت توبتهما ولم يرجعا إلى ما كانا فيه من الجنة ولو لا أن التكليف إرشادي ليس له إلا التبعة التكوينية دون التشريعية لاستلزام قبول التوبة رجوعهما إلى ما كانا فيه من مقام القرب وسيأتي لهذا الكلام بقية فيما سيأتي إن شاء الله.
قوله سبحانه: فأزلهما الشيطان، الظاهر من هذه الجملة كنظائرها وإن لم يكن أزيد من وسوسة الشيطان لهما مثل ما يوسوس لنا بني آدم على نحو إلقاء الوسوسة في القلب من غير رؤية الشخص.
لكن الظاهر من أمثال قوله تعالى في سورة طه: "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك" يدل على أنه تعالى أراهما الشيطان وعرفهما إياه بالشخص والعين دون الوصف وكذا قوله تعالى حكاية عن الشيطان: "يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد" الآية حيث أتى بالكلام في صورة حكاية الخطاب، ويدل ذلك على متكلم مشعور به.
وكذا قوله تعالى في سورة الأعراف: "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" والقسم إنما يكون من مقاسم مشعور به.
وكذا قوله تعالى: "وناديهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين" كل ذلك يدل على أنه كان يتراءى لهما وكانا يشاهدانه.
ولو كان حالهما (عليهما السلام) مثل حالنا من عدم المشاهدة حين الوسوسة لجاز لهما أن يقولا: ربنا إننا لم نشعر وخلنا أن هذه الوساوس هي من أفكارنا من غير استشعار بحضوره، ولا قصد لمخالفة ما وصيتنا به من التحذير من وسوسته.
وبالجملة فهما كانا يشاهدانه ويعرفانه، والأنبياء وهم المعصومون بعصمة الله كذلك يعرفونه ويشاهدونه حين تعرضه بهم لو تعرض على ما وردت به الروايات في نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ويحيى وأيوب وإسماعيل ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا.
وكذا ظاهر هذه الآيات كظاهر قوله تعالى: "ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة" حيث ينبىء عن كونهما معه لعنه الله بحيال الشجرة في الجنة، فقد كان دخل الجنة، وصاحبهما وغرهما بوسوسته، ولا محذور فيه إذ لم تكن الجنة جنة الخلد حتى لا يدخلها الشيطان، والدليل على ذلك خروجهم جميعا من هذه الجنة.
وأما قوله تعالى خطابا لإبليس: "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج منها": الأعراف - 13، فيمكن أن يكون المراد به الخروج من الملائكة، أو الخروج من السماء من جهة كونها مقام قرب وتشريف.
قوله تعالى: "وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو" الآية ظاهر السياق أنه خطاب لآدم وزوجته وإبليس وقد خص إبليس وحده بالخطاب في سورة الأعراف حيث قال: "فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها" الآية فقوله تعالى: اهبطوا كالجمع بين الخطابين وحكاية عن قضاء قضى الله به العداوة بين إبليس لعنه الله وبين آدم وزوجته وذريتهما، وكذلك قضى به حياتهم في الأرض وموتهم فيها وبعثهم منها.
وذرية آدم مع آدم في الحكم كما ربما يستشعر من ظاهر قوله: "فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون" الآية وكما سيأتي في قوله تعالى: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم" الآية من سورة الأعراف.
إن إسجاد الملائكة لآدم (عليه السلام) إنما كان من جهة أنه خليفة أرضي، فكان المسجود له آدم وحكم السجدة لجميع البشر، فكان أقامه آدم (عليه السلام) مقام المسجود له معنونا بعنوان الأنموذج والنائب.
وبالجملة يشبه أن تكون هذه القصة التي قصها الله تعالى من إسكان آدم وزوجته الجنة، ثم إهباطهما لأكل الشجرة كالمثل يمثل به ما كان الإنسان فيه قبل نزوله إلى الدنيا من السعادة والكرامة بسكونه حظيرة القدس، ومنزل الرفعة والقرب، ودار نعمة وسرور، وأنس ونور، ورفقاء طاهرين، وأخلاء روحانيين، وجوار رب العالمين.
Bogga 74