Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
2 سورة البقرة - 28 - 29
كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا فأحيكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28) هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموت وهو بكل شىء عليم (29)
بيان
رجوع ثان إلى ما في بدء الكلام فإنه تعالى بعد ما بين في أول السورة ما بين أوضحه بنحو التلخيص بقوله: يا أيها الناس اعبدوا ربكم إلى بضع آيات، ثم رجع إليه ثانيا وأوضحه بنحو البسط والتفصيل بقوله: كيف تكفرون إلى اثنتي عشرة آية، ببيان حقيقة الإنسان وما أودعه الله تعالى فيه من ذخائر الكمال وما تسعه دائرة وجوده وما يقطعه هذا الموجود في مسير وجوده من منازل موت وحياة ثم موت ثم حياة ثم رجوع إلى الله سبحانه وإن إلى ربك المنتهى وفيه ذكر جمل ما خص الله تعالى به الإنسان من مواهب التكوين والتشريع، أنه كان ميتا فأحياه، ثم لا يزال يميته ويحييه حتى يرجعه إليه، وقد خلق له ما في الأرض وسخر له السماوات وجعله خليفته في الأرض وأسجد له ملائكته وأسكن أباه الجنة وفتح له باب التوبة وأكرمه بعبادته وهدايته، وهذا هو المناسب لسياق قوله: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم إلخ، فإن السياق سياق العتبى والامتنان.
قوله تعالى: كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا.
الآية قريبة السياق من قوله تعالى: "قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل:" المؤمن - 11، وهذه من الآيات التي يستدل بها على وجود البرزخ بين الدنيا والآخرة، فإنها تشتمل على إماتتين، فلو كان إحداهما الموت الناقل من الدنيا لم يكن بد في تصوير الإماتة الثانية من فرض حياة بين الموتين وهو البرزخ، وهو استدلال تام اعتني به في بعض الروايات أيضا، وربما ذكر بعض المنكرين للبرزخ أن الآيتين أعني قوله: كيف تكفرون الآية، وقوله: قالوا ربنا الآية، متحدتا السياق، وقد اشتملتا على موتين وحياتين، فمدلولهما واحد، والآية الأولى ظاهرة في أن الموت الأول هو حال الإنسان قبل ولوج الروح في الحياة الدنيا، فالموت والحياة الأوليان هما الموت قبل الحياة الدنيا والحياة الدنيا، والموت والحياة الثانيتان هما الموت عن الدنيا والحياة يوم البعث، والمراد بالمراتب في الآية الثانية هو ما في الآية الأولى، فلا معنى لدلالتها على البرزخ، وهو خطأ فإن الآيتين مختلفتان سياقا إذ المأخوذ في الآية الأولى موت واحد وإماتة واحدة وإحيائان، وفي الآية الثانية إماتتان وإحيائان، ومن المعلوم أن الإماتة لا يتحقق لها مصداق من دون سابقة حياة بخلاف الموت، فالموت الأول في الآية الأولى غير الإماتة الأولى في الآية الثانية، فلا محالة في قوله تعالى، أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين، الإماتة الأولى هي التي بعد الدنيا والإحياء الأول بعدها للبرزخ والإماتة والإحياء الثانيتان للآخرة يوم البعث، وفي قوله تعالى.
وكنتم أمواتا فأحياكم إنما يريد الموت قبل الحياة وهو موت وليس بإماتة والحياة هي الحياة الدنيا، وفي قوله تعالى: ثم إليه ترجعون حيث فصل بين الإحياء والرجوع بلفظ ثم تأييد لما ذكرنا هذا.
قوله تعالى: وكنتم أمواتا، بيان حقيقة الإنسان من حيث وجوده فهو وجود متحول متكامل يسير في مسير وجوده المتبدل المتغير تدريجا ويقطعه مرحلة مرحلة، فقد كان الإنسان قبل نشأته في الحياة الدنيا ميتا ثم حيي بإحياء الله ثم يتحول بإماتة وإحياء وهكذا وقد قال سبحانه: "وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه:" السجدة - 9، وقال تعالى: "ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين:" المؤمنون - 14، وقال تعالى، "وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد، بل هم بلقاء ربهم كافرون. قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم:" السجدة - 11، وقال تعالى.
"منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى:" طه - 55.
Bogga 62