Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
فمثل هذا مثل المولى من الموالي العرفية يختار عبدا من عبيده ويزوجه إحدى فتياته ثم يقطع له قطيعة ويخصه بدار وأثاث وغير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان في حياته إلى حين محدود وأجل مسمى، فإن قلنا إن المولى وإن أعطى لعبده ما أعطى وملكه ما ملك فإنه لا يملك وأين العبد من الملك كان ذلك قول المجبرة، وإن قلنا إن للمولى بإعطائه المال لعبده وتمليكه جعله مالكا وانعزل هو عن المالكية وكان المالك هو العبد كان ذلك قول المعتزلة، ولو جمعنا بين الملكين بحفظ المرتبتين وقلنا: إن المولى مقامه في المولوية وللعبد مقامه في الرقية وإن العبد إنما يملك في ملك المولى، فالمولى مالك في عين أن العبد مالك فهنا ملك على ملك كان ذلك القول الحق الذي رآه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقام عليه البرهان هذا.
وفي الإحتجاج،: فيما سأله عباية بن ربعي الأسدي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في معنى الاستطاعة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية بن ربعي فقال له قل يا عباية، قال: وما أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: تقول تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن ملككها كان ذلك من عطائه وإن سلبكها كان ذلك من بلائه وهو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك الحديث.
أقول: ومعنى الرواية واضح مما بيناه آنفا.
وفي شرح العقائد، للمفيد قال: وقد روي عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى؟ فقال (عليه السلام): لو كان خالقا لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه: إن الله بريء من المشركين ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم.
أقول للأفعال جهتان: جهة ثبوت ووجود، وجهة الانتساب إلى الفاعل، وهذه الجهة الثانية هي التي تتصف بها الأفعال بأنها طاعة أو معصية أو حسنة أو سيئة، فإن النكاح والزنا لا فرق بينهما من جهة الثبوت والتحقق، وإنما الفرق الفارق هو أن النكاح موافق لأمر الله تعالى، والزنا فاقد للموافقة المذكورة، وكذا قتل النفس بالنفس وقتل النفس بغير نفس، وضرب اليتيم تأديبا وضربه ظلما، فالمعاصي فاقدة لجهة من جهات الصلاح أو لموافقة الأمر أو الغاية الاجتماعية بخلاف غيرها، وقد قال تعالى: "الله خالق كل شيء": الزمر - 62، والفعل شيء بثبوته ووجوده، وقد قال (عليه السلام): "كل ما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله الحديث" ثم قال تعالى: "الذي أحسن كل شيء خلقه": السجدة - 7، فتبين أن كل شيء كما أنه مخلوق فهو في أنه مخلوق، حسن فالخلقة والحسن متلازمان متصاحبان لا ينفك أحدهما عن الآخر أصلا، ثم إنه تعالى سمى بعض الأفعال سيئة فقال: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها": الأنعام - 160، وهي المعاصي التي يفعلها الإنسان بدليل المجازاة، وعلمنا بذلك أنها من حيث إنها معاص عدمية غير مخلوقة وإلا كانت حسنة، وقال تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ": الحديد - 22، وقال: "ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه": التغابن - 11، وقال: "ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير": الشورى - 30، وقال: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك": النساء - 79، وقال: "وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا": النساء - 78، علمنا بذلك أن هذه المصائب إنما هي سيئات نسبية بمعنى أن الإنسان المنعم بنعمة من نعم الله كالأمن والسلامة والصحة والغنى يعد واجدا فإذا فقدها لنزول نازلة وإصابة مصيبة كانت النازلة بالنسبة إليه سيئة لأنها مقارنة لفقد ما وعدم ما، فكل نازلة فهي من الله وليست من هذه الجهة سيئة وإنما هي سيئة نسبية بالنسبة إلى الإنسان وهو واجد، فكل سيئة فهي أمر عدمي غير منسوب من هذه الجهة إلى الله سبحانه البتة وإن كانت من جهة أخرى منسوبة إليه تعالى بالإذن فيه ونحو ذلك.
Bogga 56