244

Tafsirka Miizaanka

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Noocyada

Fasiraadda

ولا يزال الخواص من الإنسان - وهم العلماء - يحتالون في إمحاء رسوم هذه الخرافات المتمكنة في نفوس العامة من الناس بلطائف حيلهم التي توجب تنبه العامة وتيقظهم في أمرها، وقد أعيا الداء الطبيب فإن الإنسان لا يخلو من التقليد والاتباع في الآراء النظرية والمعلومات الحقيقية من جانب، ومن الإحساسات والعواطف النفسانية من جانب آخر، وناهيك في ذلك أن العلاج لم ينجح إلى اليوم.

وأعجب من الجميع ما يراه في ذلك أهل الحضارة وعلماء الطبيعة اليوم! فقد ذكروا أن العلم اليوم يبنى أساسه على الحس والتجربة ويدفع ما دون ذلك، والمدنية والحضارة تبنى أساسه على استكمال الاجتماع في كل كمال ميسور ما استيسر، وبنوا التربية على ذلك.

مع أن ذلك - وهو عجيب - نفسه من اتباع الخرافة فإن علوم الطبيعة إنما تبحث عن خواص الطبيعة وتثبتها لموضوعاتها، وبعبارة أخرى هذه العلوم المادية إنما تكشف دائما عن خبايا خواص المادة، وأما ما وراء ذلك فلا سبيل لها إلى نفيه وإبطاله فالاعتقاد بانتفاء ما لا تناله الحس والتجربة من غير دليل من أظهر الخرافات.

وكذلك بناء المدنية على استكمال الاجتماع المذكور فإن هذا الاستكمال والنيل بالسعادة الاجتماعية ربما يستلزم حرمان بعض الأفراد من سعادته الحيوية الفردية كتحمل القتل والتفدية في الدفاع عن الوطن أو القانون أو المرام، والمحرومية من سعادة الشخص لأجل وقاية حريم الاجتماع فهذه الحرمانات لا يقدم فيها الإنسان إلا عن عقيدة الاستكمال، وأن يراها كمالات - وليست كمالات لنفسه - بل عدم وحرمان لها، وإنما هي كمالات - لو كانت كمالات - للمجتمع من حيث هو مجتمع وإنما يريد الإنسان الاجتماع لأجل نفسه لا نفسه لأجل الاجتماع، ولذلك كله ما احتالت هذه الاجتماعات لأفرادها فلقنوهم أن الإنسان يكتسب بالتفدية ذكرا جميلا واسما باقيا على الفخر دائما وهو الحياة الدائمة، وهذه خرافة، وأي حياة بعد البطلان والفناء غير أنا نسميه حياة، تسمية ليس وراءها شيء؟.

ومثلها القول: إن الإنسان يجب له تحمل مر القانون والصبر على الحرمان في بعض ما يشتهيه نفسه ليتحفظ به الاجتماع فينال كماله في الباقي فيعتقد أن كمال الاجتماع كماله، وهذه خرافة، فإن كمال الاجتماع إنما هو كماله فيما يتطابق الكمالان وأما غير ذلك فلا فأي موجب على فرد بالنسبة إلى كماله أو اجتماع قوم بالنسبة إلى اجتماع الدنيا إذا قدر على نيل ما يبتغيه من آماله ولو بالجور وفاق في القوة والاستطاعة من غير مقاوم يقاومه أن يعتقد أن كمال الاجتماع كماله والذكر الجميل فخارة؟ كما أن أقوياء الأمم لا يزالون على الانتفاع من حياة الأمم الضعيفة، فلا يجدون منهم موطئا إلا وطئوه، ولا منالا إلا نالوه، ولا نسمة إلا استرقوه واستعبدوه، وهل ذلك إلا علاجا لمزمن الداء بالإفناء؟.

وأما ما سلكه القرآن في ذلك فهو أمره باتباع ما أنزل الله والنهي عن القول بغير علم، هذا في النظر، وأما في العمل فأمره بابتغاء ما عند الله فيه فإن كان مطابقا لما يشتهيه النفس كان فيه سعادة الدنيا والآخرة وإن كان فيه حرمانها، فعند الله عظيم الأجر، وما عند الله خير وأبقى.

والذي يقوله أصحاب الحس: أن اتباع الدين تقليد يمنع عنه العلم وأنه من خرافات العهد الثاني من العهود الأربعة المارة على نوع الإنسان وهي عهد الأساطير وعهد المذهب وعهد الفلسفة وعهد العلم، وهو الذي عليه البشر اليوم من اتباع العلم ورفض الخرافات فهو قول بغير علم ورأي خرافي.

أما إن اتباع الدين تقليد فيبطله: أن الدين مجموع مركب من معارف المبدأ والمعاد، ومن قوانين اجتماعية من العبادات والمعاملات مأخوذة من طريق الوحي والنبوة الثابت صدقه بالبرهان والمجموعة من الأخبار التي أخبر بها الصادق صادقة واتباعها اتباع للعلم لأن المفروض العلم بصدق مخبرها بالبرهان، وقد مر في البحث التالي لقوله تعالى "وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة": البقرة - 67، كلام في التقليد فارجع.

Bogga 245