220

Tafsirka Miizaanka

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Noocyada

Fasiraadda

على أن هاهنا محذورا آخر وهو أن الحسن والقبح وسائر الأحكام الاجتماعية - وهي التي تعتمد عليها الحجة الاجتماعية وتتألف منها الاستدلالات - لو كانت تابعة للمرام، ومن الممكن بل الواقع تحقق مرامات مختلفة متناقضة متباينة أدى ذلك إلى ارتفاع الحجة المشتركة المقبولة عند عامة الاجتماعات، ولم يكن التقدم والنجاح حينئذ إلا للقدرة والتحكم، وكيف يمكن أن يقال: إن الطبيعة الإنسانية ساقت أفرادها إلى حياة اجتماعية لا تفاهم بين أجزائها ولا حكم يجمعها إلا حكم مبطل لنفس الاجتماع؟ وهل هذا إلا تناقض شنيع في حكم الطبيعة واقتضائها الوجودي؟.

بحث روائي آخر في متفرقات متعلقة بما تقدم

عن الباقر (عليه السلام) قال: أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إني راغب نشيط في الجهاد. قال : فجاهد في سبيل الله فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله مرزوقا وإن مت فقد وقع أجرك على الله الحديث.

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): وإن مت إلخ إشارة إلى قوله تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله": النساء - 100، وفيه دلالة على أن الخروج إلى الجهاد مهاجرة إلى الله ورسوله.

وفي الكافي، عن الصادق (عليه السلام): في إسماعيل النبي الذي سماه الله سبحانه صادق الوعد، قال (عليه السلام) إنما سمي صادق الوعد لأنه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة، فسماه الله عز وجل صادق الوعد، ثم إن الرجل أتاه بعد ذلك الوقت فقال له إسماعيل: ما زلت منتظرا لك الحديث.

أقول: وهذا أمر ربما يحكم العقل العادي بكونه منحرفا عن جادة الاعتدال مع أن الله سبحانه جعله منقبة له (عليه السلام) حتى عظم قدره ورفع ذكره بقوله: "واذكر في الكتاب إسمعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة وكان عند ربه مرضيا": مريم - 55، فليس ذلك إلا أن الميزان الذي وزن به هذا العمل غير الميزان الذي بيد العقل العادي، فللعقل العادي تربية بتدبيره ولله سبحانه تربية لأوليائه بتأييده، وكلمة الله هي العليا، ونظائر هذه القضية كثيرة مروية منقولة عن النبي والأئمة والأولياء.

فإن قلت: كيف يمكن مخالفة الشرع مع العقل في ما للعقل إليه سبيل.

قلت: أما حكم العقل في ما له إليه سبيل ففي محله، لكنه يحتاج إلى موضوع يقع عليه حكمه، وقد عرفت في ما تقدم أن أمثال هذه العلوم في المسلك الثالث الذي ذكرناه لا تبقي للعقل موضوعا يحكم فيه وعليه، وهذا سبيل المعارف الإلهية والظاهر أن إسماعيل النبي (عليه السلام) كان أطلق القول بوعده بأن قال: أنتظرك هاهنا حتى تعود إلي ثم التزم على إطلاق قوله صونا لنفسه عن نقض العهد والكذب في الوعد وحفظا لما ألقى الله في روعه وأجراه على لسانه، وقد روي نظيره عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه كان عند المسجد الحرام فوعده بعض أصحابه بالرجوع إليه ووعده النبي بانتظاره حتى يرجع فذهب في شأنه ولم يرجع، فانتظره النبي ثلاثة أيام في مكانه الذي وعده حتى مر به الرجل بعد الثلاثة، وهو جالس ينتظر والرجل قد نسي الوعد، الحديث.

وفي الخصائص، للسيد الرضي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وقد سمع رجلا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون يا هذا إن قولنا: إنا لله إقرار منا بالملك، وإنا إليه راجعون إقرار منا بالهلاك. أقول: وقد اتضح معناه بما تقدم ورواه في الكافي، مفصلا.

وفي الكافي،: عن إسحاق بن عمار وعبد الله بن سنان، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال الله عز وجل: إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضا فمن أقرضني فيها قرضا أعطيته بكل واحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف، ومن لم يقرضني قرضا وأخذت منه شيئا قسرا أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها عني، ثم قال أبو عبد الله: قول الله: الذين إذا أصابتهم مصيبة - قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم، فهذه واحدة من ثلاث خصال، ورحمة اثنتان، وأولئك هم المهتدون ثلاث، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا.

Bogga 221