Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
قوله تعالى: قل لله المشرق والمغرب، اقتصر من بين الجهات بهاتين لكونهما هما المعنيتين لسائر الجهات الأصلية والفرعية كالشمال والجنوب وما بين كل جهتين من الجهات الأربعة الأصلية ، والمشرق والمغرب جهتان إضافيتان تتعينان بشروق الشمس أو النجوم وغروبهما، يعمان جميع نقاط الأرض غير نقطتين موهومتين هما نقطتا الشمال والجنوب الحقيقيتان، ولعل هذا هو الوجه في وضع المشرق والمغرب موضع الجهات.
قوله تعالى: يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، تنكير الصراط لأن الصراط يختلف باختلاف الأمم في استعداداتها للهداية إلى الكمال والسعادة.
قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا، الظاهر أن المراد كما سنحول القبلة لكم لنهديكم إلى صراط مستقيم كذلك جعلناكم أمة وسطا، وقيل إن المعنى ومثل هذا الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا وهو كما ترى، وأما المراد بكونهم أمة وسطا شهداء على الناس فالوسط هو المتخلل بين الطرفين لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك الطرف، وهذه الأمة بالنسبة إلى الناس - وهم أهل الكتاب والمشركون - على هذا الوصف فإن بعضهم - وهم المشركون والوثنيون - إلى تقوية جانب الجسم محضا لا يريدون إلا الحياة الدنيا والاستكمال بملاذها وزخارفها وزينتها، لا يرجون بعثا ولا نشورا، ولا يعبئون بشيء من الفضائل المعنوية والروحية، وبعضهم كالنصارى إلى تقوية جانب الروح لا يدعون إلا إلى الرهبانية ورفض الكمالات الجسمية التي أظهرها الله تعالى في مظاهر هذه النشأة المادية لتكون ذريعة كاملة إلى نيل ما خلق لأجله الإنسان، فهؤلاء أصحاب الروح أبطلوا النتيجة بإبطال سببها وأولئك أصحاب الجسم أبطلوا النتيجة بالوقوف على سببها والجمود عليها، لكن الله سبحانه جعل هذه الأمة وسطا بأن جعل لهم دينا يهدي منتحليه إلى سواء الطريق وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل يقوي كلا من الجانبين - جانب الجسم وجانب الروح - على ما يليق به ويندب إلى جمع الفضيلتين فإن الإنسان مجموع الروح والجسم لا روح محضا ولا جسم محضا، ومحتاج في حياته السعيدة إلى جمع كلا الكمالين والسعادتين المادية والمعنوية، فهذه الأمة هي الوسط العدل الذي به يقاس ويوزن كل من طرفي الإفراط والتفريط فهي الشهيدة على سائر الناس الواقعة في الأطراف والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المثال الأكمل من هذه الأمة - هو شهيد على نفس الأمة فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) ميزان يوزن به حال الآحاد من الأمة، والأمة ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه طرفا الإفراط والتفريط، هذا ما قرره بعض المفسرين في معنى الآية، وهو في نفسه معنى صحيح لا يخلو عن دقة إلا أنه غير منطبق على لفظ الآية فإن كون الأمة وسطا إنما يصحح كونها مرجعا يرجع إليه الطرفان، وميزانا يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين، أو يشاهد الطرفين، فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر، على أنه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيدا على الأمة إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأمة على جعل الأمة وسطا، كما يترتب الغاية على المغيا والغرض على ذيه.
Bogga 186