Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
ثم ذكر سبحانه ما أنزل إلينا وهو القرآن أو المعارف القرآنية وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ثم ذكر ما أوتي موسى وعيسى وخصهما بالذكر لأن المخاطبة مع اليهود والنصارى وهم يدعون إليهما فقط ثم ذكر ما أوتي النبيون من ربهم، ليشمل الشهادة جميع الأنبياء فيستقيم قوله بعد ذلك: لا نفرق بين أحد منهم.
واختلاف التعبير في الكلام، حيث عبر عما عندنا وعند إبراهيم وإسحاق ويعقوب بالإنزال وعما عند موسى وعيسى والنبيين بالإيتاء وهو الإعطاء، لعل الوجه فيه أن الأصل في التعبير هو الإيتاء، كما قال تعالى بعد ذكر إبراهيم، ومن بعده ومن قبله من الأنبياء في سورة الأنعام: "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة":، الأنعام - 89، لكن لفظ الإيتاء ليس بصريح في الوحي والإنزال كما قال تعالى: "ولقد آتينا لقمان الحكمة": لقمان - 12، وقال: "ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة": الجاثية - 16، ولما كان كل من اليهود والنصارى يعدون إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط من أهل ملتهم، فاليهود من اليهود، والنصارى من النصارى، واعتقادهم أن الملة الحق من النصرانية، أو اليهودية، هي ما أوتيه موسى وعيسى، فلو كان قيل: وما أوتي إبراهيم وإسماعيل لم يكن بصريح في كونهم بأشخاصهم صاحب ملة بالوحي والإنزال واحتمل أن يكون ما أوتوه، هو الذي أوتيه موسى وعيسى (عليهما السلام) نسب إليهم بحكم التبعية كما نسب إيتاؤه إلى بني إسرائيل فلذلك خص إبراهيم ومن عطف عليه باستعمال لفظ الإنزال، وأما النبيون قبل إبراهيم فليس لهم فيهم كلام حتى يوهم قوله: وما أوتي النبيون شيئا يجب دفعه.
قوله تعالى: والأسباط، الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل والسبط كالقبيلة الجماعة يجتمعون على أب واحد، وقد كانوا اثنتي عشرة أسباطا أمما وكل واحدة منهم تنتهي إلى واحد من أولاد يعقوب وكانوا اثني عشر، فخلف كل واحد منهم أمة من الناس.
فإن كان المراد بالأسباط الأمم والأقوام فنسبة الإنزال إليهم لاشتمالهم على أنبياء من سبطهم، وإن كان المراد بالأسباط الأشخاص كانوا أنبياء أنزل إليهم الوحي وليسوا بإخوة يوسف لعدم كونهم أنبياء، ونظير الآية قوله تعالى: "وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى": النساء - 163.
قوله تعالى: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، الإتيان بلفظ المثل مع كون أصل المعنى، فإن آمنوا بما آمنتم به، لقطع عرق الخصام والجدال، فإنه لو قيل لهم أن آمنوا بما آمنا به أمكن أن يقولوا كما قالوا، بل نؤمن بما أنزل علينا ونكفر بما وراءه، لكن لو قيل لهم، إنا آمنا بما لا يشتمل إلا على الحق فآمنوا أنتم بما يشتمل على الحق مثله، لم يجدوا طريقا للمراء والمكابرة، فإن الذي بيدهم لا يشتمل على صفوة الحق.
قوله تعالى: في شقاق، الشقاق النفاق والمنازعة والمشاجرة والافتراق.
قوله تعالى: فسيكفيكهم الله، وعد لرسول الله بالنصرة عليهم، وقد أنجز وعده وسيتم هذه النعمة للأمة الإسلامية إذا شاء، واعلم: أن الآية معترضة بين الآيتين السابقة واللاحقة.
قوله تعالى: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، الصبغة بناء نوع من الصبغ أي هذا الإيمان المذكور صبغة إلهية لنا، وهي أحسن الصبغ لا صبغة اليهودية والنصرانية بالتفرق في الدين، وعدم إقامته.
قوله تعالى: ونحن له عابدون، في موضع الحال، وهو كبيان العلة لقوله: صبغة الله ومن أحسن.
Bogga 181