Tafsirka Miizaanka
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Noocyada
إذا عرفت هذا علمت أن الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك ولا ظلم البتة كما لا يقع فيه ضلال البتة، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، ولا في ظاهر الجوارح والأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، وهذا هو حق التوحيد علما وعملا إذ لا ثالث لهما وما ذا بعد الحق إلا الضلال؟ وينطبق على ذلك قوله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون": الأنعام - 82، وفيه تثبيت للأمن في الطريق ووعد بالاهتداء التام بنائا على ما ذكروه: من كون اسم الفاعل حقيقة في الاستقبال فليفهم فهذا نعت من نعوت الصراط المستقيم.
ثم إنه تعالى عرف هؤلاء المنعم عليهم الذين نسب صراط المستقيم إليهم بقوله تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا": النساء - 68.
وقد وصف هذا الإيمان والإطاعة قبل هذه الآية بقوله "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا": النساء - 66.
فوصفهم بالثبات التام قولا وفعلا وظاهرا وباطنا على العبودية لا يشذ منهم شاذ من هذه الجهة ومع ذلك جعل هؤلاء المؤمنين تبعا لأولئك المنعم عليهم وفي صف دون صفهم لمكان مع ولمكان قوله: "وحسن أولئك رفيقا" ولم يقل: فأولئك من الذين.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: "والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم": الحديد - 19.
وهذا هو إلحاق المؤمنين بالشهداء والصديقين في الآخرة، لمكان قوله: عند ربهم، وقوله: لهم أجرهم.
فأولئك وهم أصحاب الصراط المستقيم أعلى قدرا وأرفع درجة ومنزلة من هؤلاء وهم المؤمنون الذين أخلصوا قلوبهم وأعمالهم من الضلال والشرك والظلم، فالتدبر في هذه الآيات يوجب القطع بأن هؤلاء المؤمنين وشأنهم هذا الشأن فيهم بقية بعد، لو تمت فيهم كانوا من الذين أنعم الله عليهم، وارتقوا من منزلة المصاحبة معهم إلى درجة الدخول فيهم ولعلهم نوع من العلم بالله، ذكره في قوله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات": المجادلة - 11.
فالصراط المستقيم أصحابه منعم عليهم بنعمة هي أرفع النعم قدرا، يربو على نعمة الإيمان التام، وهذا أيضا نعت من نعوت الصراط المستقيم.
ثم إنه تعالى على أنه كرر في كلامه ذكر الصراط والسبيل لم ينسب لنفسه أزيد من صراط مستقيم واحد، وعد لنفسه سبلا كثيرة فقال عز من قائل "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا": العنكبوت - 69.
وكذا لم ينسب الصراط المستقيم إلى أحد من خلقه إلا ما في هذه الآية صراط الذين أنعمت عليهم الآية ولكنه نسب السبيل إلى غيره من خلقه، فقال تعالى: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة": يوسف - 108.
وقال تعالى "سبيل من أناب إلي": لقمان - 15.
وقال: "سبيل المؤمنين": النساء - 114، ويعلم منها: أن السبيل غير الصراط المستقيم فإنه يختلف ويتعدد ويتكثر باختلاف المتعبدين السالكين سبيل العبادة بخلاف الصراط المستقيم كما يشير إليه قوله تعالى: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم": المائدة - 16، فعد السبل كثيرة والصراط واحدا وهذا الصراط المستقيم إما هي السبل الكثيرة وإما أنها تؤدي إليه باتصال بعضها إلى بعض واتحادها فيها.
وأيضا قال تعالى: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون": يوسف - 106.
فبين أن من الشرك وهو ضلال ما يجتمع مع الإيمان وهو سبيل، ومنه يعلم أن السبيل يجامع الشرك، لكن الصراط المستقيم لا يجامع الضلال كما قال: ولا الضالين.
Bogga 15