عند البعد السطحي لها ، ( فيعلمون أنه الحق من ربهم )، من خلال ما يستوحونه منها في ما يريد الله لهم أن يفهموه ويؤمنوا به ، لأن إيمانهم يربطهم بالحقائق الإلهية التي توحي بها آياته التي أنزلها في كتابه ؛ ( وأما الذين كفروا ) وابتعدوا عن وعي الحق ، واتخذوا من الرسالة والرسول موقفا سلبيا متمردا ، وواجهوا الموقف بالسخرية والعبث وأساليب اللعب ، وحرفوا الكلمة عن موضعها ، وأبعدوا الآيات عن معانيها العميقة ، ( فيقولون )، تعليقا على الأمثال المتعلقة بالأشياء الحقيرة كالبعوضة والعنكبوت ، ( ما ذا أراد الله بهذا مثلا ) أي : ما الذي يريده الله بهذا المثل ، وكيف يتناسب مع عظمته؟ مما يؤدي إلى التشكيك بصدوره منه ، لتنتهي المسألة إلى الشك بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ( يضل به كثيرا ) من الذين لا يقفون منه موقف المتدبر الواعي الذي يواجه القضايا من خلال عناصرها الطبيعية في مداليلها وإيحاءاتها ، بل يقف منها موقف المعقد الجاحد المتمرد الذي يحاول أن يجد في الإيجاب سلبا ، وفي القوة ضعفا ، وفي الحق باطلا ، فيتحرك في درب الضلال الذي سلكه بسوء اختياره وعدم تفاعله مع الخط الذي يقوده نحو الهدى ؛ ( ويهدي به كثيرا ) من المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسله ورسالاته وكتبه ، فاهتدوا بآياته التي فهموها كما يجب أن يفهموها ، واستوحوها في كل ما تختزنه من إيحاءات الهدى في كل دروب الحياة وآفاقها وتطلعاتها ؛ ( وما يضل به إلا الفاسقين ) الخارجين عن عبوديتهم لله والتاركين طاعته ، والمنحرفين عن خط الاستقامة في دروب هداه.
أما نسبة الضلال والهدى إلى الله من خلال ضربه المثل ، فقد يكون الأساس فيه هو أن المثل الذي ضربه الله كان السبب الحي لحركة التجربة الإنسانية في طبيعة الاختيار الخير أو الشرير ، فلو لم يطلق الله سبحانه هذا المثل الذي يوحي بالمعاني التي يريد للإنسان أن يفهمها ويؤمن بها ، لما انطلق الضال نحو الضلال بإرادته ، ولما تحرك المهتدي نحو الهدى باختياره. وفي
Bogga 198