بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب وجعله للناس بشيرا ونذيرا وبين فيه لأولي الألباب بينات، وجعله تبيان كل شئ وسراجا منيرا، أنزله بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب، وأنطقه بالصدق لما يعول عليه من الرب، يقضي له بصفة القدم كل شئ بجوهر ذاته، يفضي إلى الحكم بسرمديته حدوث معلولاته وسمائه، فيا له من حكيم بما له من قدرته في كل ما دبر وأتقن من أفعاله، أبت حكمته أن يرضى لخلقه السوء والفحشاء، وارتفعت قدرته أن يجري شئ إلا ما شاء الله.
والصلاة والسلام والتحية من كل الأنام، على خير الأنبياء ونير الأصفياء، المدعو مجيب الله في الأرض والسماء محمد المصطفى على البرية بالخلق والفضائل المرضية، المبعوث بكتاب أزعج بفصاحته مصاقع (1) الخطباء، وأبكم ببلاغته شقاشق (2) البلغاء، وعلى الأئمة الهادين من عترته الراشدين، صلاة تامة دائمة توازي غناءهم وتجازي تمناءهم، وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
أما بعد: فيقول الفقير إلى رحمة الله ربه الغني ميرزا محمد المشهدي بن محمد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين القمي: إن أولى ما صرفت في تحصيله كنوز الاعمار،
Bogga 19
وأنفقت في نيله المهج والأفكار، علم التفسير الذي هو رئيس العلوم الدينية و رأسها، ومبنى قواعد الشرع وأساسها، الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه، إلا من فاق في العلوم الدينية كلها، والصناعات الأدبية بأنواعها.
وقد كنت فيما مضى قد رقمت تعليقات على التفسير المشهور للعلامة الزمخشري (1) وأجلت النظر فيه، ثم على الحاشية للعلامة النحرير والفاضل المهرير (2) الشيخ الكاملي (3) بهاء الدين العاملي (4) ثم سنح لي أن أؤلف تفسيرا يحتوي على دقائق أسرار التنزيل ونكات أبكار التأويل، مع نقل ما روي في التفسير والتأويل عن الأئمة الأطهار والهداة الأبرار، إلا أن قصور بضاعتي يمنعني عن
Bogga 20
الاقدام، ويثبطني عن الانتصاب في هذا المقام، حتى وفقني ربي للشروع فيما قصدته والاتيان بما أردته، ومن نيتي أن اسميه بعد إتمامه ب (كنز الدقائق وبحر الغرائب) ليطابق اسمه ما احتواه ولفظه معناه.
فرات بن إبراهيم الكوفي (1) أستاذ المحدثين في زمانه قال في تفسيره: حدثنا أحمد بن موسى، قال: حدثني الحسن بن ثابت، قال: حدثني أبي، عن شعبة بن الحجاج، عن الحكم، عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) يد علي (عليه السلام) فقال: إن القرآن أربعة أرباع: ربع فينا - أهل البيت - خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن (2).
وقال أيضا: حدثنا أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن صبيح، والحسن بن علي بن الحسن بن عبيدة بن عقبة بن نزار بن سالم السلولي، قالا: حدثنا محمد بن الحسن بن مطهر، قال: حدثنا صالح - يعني ابن الأسود - عن جميل بن عبد الله النخعي، عن زكريا بن ميسرة، عن أصبغ بن نباتة قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام):
أقول: القرآن أربعة أرباع، فربع فينا، وربع في أعدائنا، وربع سنن وأمثال، و ربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن (3).
وقال أيضا: حدثنا أبو الخير مقداد بن علي الحجازي المدني، قال حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن العلوي الحسني قال: حدثنا محمد بن سعيد بن رحيم الهمداني، ومحمد بن عيسى بن زكريا قالا: حدثنا عبد الرحمن بن سراج قال: حدثنا حماد بن أعين، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: القرآن أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في أعدائنا، وربع فرائض وأحكام، وربع حلال وحرام، ولنا كرائم القرآن (4).
Bogga 21
واعلم أن للقرآن بطنا وللبطن بطن، وله ظهر وللظهر ظهر، فإذا جاءك عنهم صلوات الله عليهم شئ وله باطن فلا تنكره، لأنهم أعلم به.
يدل على هذا ما رواه صاحب شرح الآيات الباهرة عن علي بن محمد، عن محمد بن الفضيل، عن شريس، عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شئ من تفسير القرآن، فأجابني، ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر! فقلت: جعلت فداك، أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا. فقال لي: يا جابر، إن للقرآن بطنا وللبطن بطن، وله ظهر وللظهر ظهر، وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، وإن الآية أولها في شئ وآخرها في شئ، وهو كلام متصل يتصرف عن وجوه (1).
ويؤيده ما رواه عن الشيخ أبي جعفر الطوسي بإسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل، وأنتم الزكاة، وأنتم الحج؟ فقال: يا داود، نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل، ونحن الزكاة، ونحن الصيام، ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام، ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله، ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله. قال الله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " (2) ونحن الآيات ونحن البينات، وعدونا في كتاب الله عز وجل الفحشاء، والمنكر، والبغي، والخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، والأصنام، والأوثان، والجبت، والطاغوت، والميتة، والدم، ولحم الخنزير، يا داود إن الله خلقنا وأكرم خلقنا، وفضلنا وجعلنا امناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضدادا وأعداء، فسمانا في كتابه، وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه وإلى عبادة المتقين (3).
Bogga 22
[سورة الفاتحة] في مجمع البيان: روى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن النبي (عليهم السلام): لما أراد الله عز وجل أن ينزل فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، و شهد الله، وقل اللهم مالك الملك - إلى قوله - بغير حساب، تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب، وقلن: يا رب، تهبطنا إلى دار الذنوب، وإلى من يعصيك، ونحن معلقات بالطهور والقدس؟ فقال: وعزتي وجلالي، ما من عبد قرأ كن في دبر كل صلاة إلا اسكنه حظيرة القدس على ما كان فيه، ونظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه، ولا يمنعه من دخول الجنة إلا الموت (1).
وفي كتاب ثواب الأعمال: بإسناده: قال أبو عبد الله (عليه السلام): اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب (2).
وفي كتاب الخصال : عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: رن إبليس أربع رنات: أولهن يوم لعن، وحين اهبط إلى الأرض، وحين بعث محمد على حين فترة من الرسل، وحين أنزلت أم الكتاب (3).
Bogga 23
وعن الحسن بن علي (عليهما السلام) - في حديث طويل - قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله أعلمهم عن أشياء، فكان فيما سأله:
أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين، وأعطى أمتك من بين الأمم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أعطاني الله فاتحة الكتاب. إلى قوله:
صدقت يا محمد، فما جزاء من قرأ فاتحة الكتاب؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه الله بعدد كل آية نزلت من السماء ثواب تلاوتها (1).
وعن جابر، عن النبي (صلى الله عليه وآله) - حديث طويل يقول فيه حاكيا عن الله تعالى -: وأعطيت أمتك كنزا من كنوز عرشي فاتحة الكتاب (2).
وفي أصول الكافي: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد الله بن فضل النوفلي - رفعه - قال: ما قرأت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن (3).
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لو قرءت الحمد على ميت سبعين مرة ثم ردت فيه الروح ما كان عجبا (4).
وفي عيون الأخبار: حدثنا محمد بن القاسم المفسر، المعروف ب أبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال:
سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله تبارك وتعالى قال لي:
" ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " فأفرد علي الامتنان بفاتحة
Bogga 24
الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإن الله عز وجل خص محمدا وشرف بها ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه، ما خلا سليمان (عليه السلام) فإنه أعطاه منها " بسم الله الرحمن الرحيم " ألا ترى أنه يحكي عن بلقيس حين قالت: " إني القي إلي كتاب كريم، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطيبين، منقادا لامرهما مؤمنا بظاهرهما وباطنهما أعطاه الله تعالى بكل حرف منها حسنة، كل واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له بقدر ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة لا يذهبن أو انه فتبقى في قلوبكم الحسرة (1).
وفي تفسير العياشي: عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني عن أبيه قال:
قال أبو عبد الله (عليه السلام): اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب (2).
عن محمد بن سنان، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليهم السلام) قال: قال لأبي حنيفة: ما سورة أولها تحميد، وأوسطها إخلاص، وآخرها دعاء؟
فبقي متحيرا ثم قال: لا أدري، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): السورة التي أولها تحميد، وأوسطها إخلاص، وآخرها دعاء، سورة الحمد (3).
عن إسماعيل بن أبان - يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) - قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجابر بن عبد الله: يا جابر ألا أعلمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ قال: فقال جابر: بلى بأبي أنت وأمي - يا رسول الله
Bogga 25
علمنيها، قال: فعلمه الحمد لله أم الكتاب، قال: ثم قال له: يا جابر، ألا أخبرك عنها؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي فأخبرني، قال: هي شفاء من كل داء إلا السام، يعني الموت (1).
عن أبي بكر الحضرمي، قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كانت لك حاجة فاقرأ المثاني، وسورة أخرى وصل ركعتين وادع الله، قلت: أصلحك الله وما المثاني؟ قال: فاتحة الكتاب (2).
* * *
Bogga 26
[بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله رب العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) ملك يوم الدين (4) إياك نعبد وإياك نستعين (5)] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين: مكية، قيل: ومدنية أيضا، لأنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة، وبالمدينة لما حولت القبلة إليها.
سبع آيات بالاتفاق، إلا أن بعضهم عد " بسم الله الرحمن الرحيم " آية، دون " أنعمت عليهم " وهم: الامامية، وقراء مكة والكوفة، وفقهاؤهما، وابن المبارك، والشافعي.
ومنهم: من عكس وعليه قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها، ومالك، والأوزاعي.
واستدلت الامامية بما روي في تفسير أبي محمد العسكري (عليه السلام)، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن " بسم الله الرحمن الرحيم " آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات، تمامها " بسم الله الرحمن
Bogga 27
الرحيم " (1).
وفي تفسير العياشي: عن يونس بن عبد الرحمان، عمن رفعه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم "، قال: هي سورة الحمد، وهي سبع آيات، منها " بسم الله الرحمن الرحيم " وإنما سميت المثاني، لأنها تثنى في الركعتين (2).
وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سرقوا أكرم آية في كتاب الله " بسم الله الرحمن الرحيم " (3).
وفي تهذيب الأحكام: محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السبع المثاني والقران العظيم، هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: " بسم الله الرحمن الرحيم " من السبع المثاني؟ قال: نعم، هي أفضلهن (4).
وفي عيون الأخبار بإسناده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه قيل لأمير المؤمنين: أخبرنا عن " بسم الله الرحمن الرحيم " أهي آية من فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤها ويعدها منه، و يقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني (5).
وبإسناده عن الرضا، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: " بسم الله الرحمن الرحيم " آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات، تمامها " بسم الله الرحمن الرحيم " (6).
وفيه عن الرضا (عليه السلام) قال : والاجهار ب " بسم الله الرحمن الرحيم " في
Bogga 28
جميع الصلاة سنة (1).
وعن الرضا (عليه السلام): أنه كان يجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " في جميع صلاته بالليل والنهار (2).
وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا قمت للصلاة أقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " مع السورة؟ قال: نعم (3).
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن مهزيار، عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك، ما تقول في رجل ابتداء ب " بسم الله الرحمن الرحيم " في صلاته وحده في أم الكتاب، فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها، فقال العباسي: ليس بذلك بأس. فكتب (عليه السلام) بخطه: يعيدها مرتين، على رغم أنفه، يعني العباسي (4).
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن صفوان الجمال، قال: صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) أياما، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها، جهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " وكان يجهر في السورتين جميعا (5).
وفي تفسير علي بن إبراهيم عن ابن أذينة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) " بسم الله الرحمن الرحيم " أحق ما جهر به، وهي الولاية التي قال الله عز وجل: " وإذا ذكرت ربك في القرآن ولوا على أدبارهم نفورا " (6).
Bogga 29
وفي مجمع البيان: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى من علي بفاتحة الكتاب من كنز الجنة، فيها " بسم الله الرحمن الرحيم " الآية التي يقول الله تعالى: " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا " (1).
وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله يجهر ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ويرفع بها صوته، فإذا سمعها المشركون ولوا مدبرين، فأنزل الله: " إذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا " (2).
وفيه عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليه السلام) قال:
بلغه أن أناسا ينزعون " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال: هي آية من كتاب الله أنساهم إياها الشيطان (3).
عن خالد المختار قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: ما لهم - قاتلهم الله - عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله، فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها، وهي " بسم الله الرحمن الرحيم " (4).
وفي كتاب الخصال: عن الأعمش، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال:
والاجهار ب " بسم الله الرحمن الرحيم " في الصلاة واجب (5).
واعلم أن بعض تلك الأخبار يدل على أنها آية، وبعضها يؤيده.
* * *
Bogga 30
[وأما فضلها] ففي تفسير العياشي: عن صفوان الجمال قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أنزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته " بسم الله الرحمن الرحيم " وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول " بسم الله الرحمن الرحيم " ابتداء للأخرى (1).
وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن علي بن الحسن بن علي، عن عباد بن يعقوب، عن عمرو بن مصعب، عن فرات بن أحنف، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
سمعته يقول: أول كل كتاب نزل من السماء " بسم الله الرحمن الرحيم " فإذا قرأت " بسم الله الرحمن الرحيم " فلا تبال أن لا تستعيذ، وإذا قرأت " بسم الله الرحمن الرحيم " سترتك فيما بين السماء والأرض (2).
ويمكن الجمع بين هذين الخبرين وخبر سليمان السابق: أن غير سليمان أعطي البسملة بغير العربية، وسليمان اعطيها بالعربية.
وفي أصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تدع " بسم الله الرحمن الرحيم " وإن كان بعده شعر (3).
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي ، عن يوسف بن عبد السلام، عن سيف بن هارون - مولى آل جعدة - قال: قال
Bogga 31
أبو عبد الله (عليه السلام): اكتب " بسم الله الرحمن الرحيم " من أجود كتابك، ولا تمد الباء حتى ترفع السين (1).
عنه، عن علي بن الحكم، عن الحسن بن سري، أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم " لفلان، ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب، لفلان (2).
عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إدريس الحارثي، عن محمد بن سنان، عن مفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا مفضل، احتجبوا من الناس كلهم ب " بسم الله الرحمن الرحيم " وب " قل هو الله أحد " اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك. وإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه، ثلاث مرات، واعقد بيدك اليسرى، ثم لا تفارقها حتى تخرج من عنده (3).
وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حزنه أمر يتعاطاه، فقال " بسم الله الرحمن الرحيم " وهو يخلص لله ويقبل بقلبه إليه، لم ينفك من إحدى اثنتين، إما بلوغ حاجته في الدنيا، وإما يعد له عند ربه ويدخر لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين (4).
وفيه: عن الصادق (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه: ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره " بسم الله الرحمن الرحيم " فيمتحنه الله عز وجل بمكروه، لينبهه على شكر الله تبارك وتعالى والثناء عليه، ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه قول " بسم الله الرحمن الرحيم " (5).
Bogga 32
وفي تهذيب الأحكام: محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن حماد، بن زيد، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: " بسم الله الرحمن الرحيم " أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها (1).
وفي مهج الدعوات: باسناده إلى محمد بن الحسن الصفار، من كتاب فضل الدعاء، بإسناده إلى معاوية بن عمار، عن الصادق (عليه السلام) قال: " بسم الله الرحمن الرحيم " اسم الله الأكبر، أو قال: الأعظم (2).
وبرواية ابن عباس قال (صلى الله عليه وآله): " بسم الله الرحمن الرحيم " اسم من أسماء الله الأكبر، وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين و بياضها (3).
وفي عيون الأخبار: بإسناده إلى محمد بن سنان، عن الرضا (عليه السلام) قال:
إن " بسم الله الرحمن الرحيم " أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها (4).
وفي كتاب علل الشرايع: بإسناده إلى الصادق (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام)، بعد أن حكى عن النبي (صلى الله عليه وآله) ما رأى إذ عرج به، وعلة الاذان والافتتاح: فلما فرغ من التكبير والافتتاح قال الله عز وجل:
الآن وصلت إلي فسم باسمي، فقال: " بسم الله الرحمن الرحيم "، فمن ذلك جعل " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول السورة، ثم قال: احمدني، فقال: " الحمد لله رب العالمين " وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في نفسه: شكرا، فقال الله: يا محمد: قطعت حمدي فسم باسمي، فمن ذلك جعل في الحمد لله " الرحمن الرحيم "
Bogga 33
مرتين، فلما بلغ " ولا الضالين " قال النبي (صلى الله عليه وآله): الحمد لله رب العالمين شكرا، فقال العزيز الجبار: قطعت ذكري فسم باسمي، فمن ذلك جعل " بسم الله الرحمن الرحيم " بعد الحمد في استقبال السورة الأخرى (1).
وفي تفسير العياشي: قال الحسن بن حرزا: وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أم الرجل القوم جاء شيطان إلى الشيطان الذي هو قريب الامام فيقول: هل ذكر الله؟ يعني هل قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " فإن قال: نعم، هرب منه، وإن قال: لا، ركب عنق الامام ودلى رجليه في صدره، فلم يزل الشيطان إمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم (2).
وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى جميعا - عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل:
" بسم الله الرحمن الرحيم " بسم الله والله أكبر (3).
بسم الله: الباء: متعلقه بمحذوف، تقديره، بسم الله أقرأ، لان الذي يتلوه مقروء، وكذلك يضمر كل فاعل ما يجعل التسمية مبدأ له، دون أبدأ، لعدم ما يطابقه، أو ابتدائي لزيادة إضمار فيه. وتقديم المفعول هنا كما في " بسم الله مجراها ومرساها " لأنه أهم، لكونه أدل على الاختصاص، وأدخل في التعظيم، وأوفق للوجود، فإن اسمه تعالى متقدم على القراءة من حيث أنه جعل آلة لها، من أجل أن الفعل لا يتم ولا يعتد به شرعا ما لم يصدر باسمه تعالى.
والباء للاستعانة، وقيل: للمصاحبة، والمعنى: متبركا باسم الله أقرأ، وهو أحسن لرعاية الأدب.
ولم يزد في هذا المقام على هذين الاحتمالين، وهذا وما بعده مقول على ألسنة
Bogga 34
العباد ليعلموا كيف يتبرك باسمه ويحمد على نعمه.
ويحتمل أنه تعال صدر كتابه به، للاشعار بأن التصدير به في كل فعل و تأليف أمر واجب، وإن كان مؤلفه هو الله سبحانه.
والتعبير بلفظ الغائب للتعظيم، كقول بعض الخلفاء: الأمير يأمرك بكذا.
وكسر الباء، ولام الامر، ولام الإضافة داخلا على المظهر، وحق الحروف المفردة الفتح، لاختصاصها بلزوم الجر والامتياز عن لام الابتداء، وإنما كان حقها ذلك لأنها أخت السكون في الخفة.
والاسم عند أهل البصرة من الأسماء المحذوفة الاعجاز، لكثرة الاستعمال، المبنية أوائلها على السكون، وهي عشرة: اسم واست، وابن وابنة وابنم، و اثنان واثنتان، وامرؤ وامرأة وأيمن في القسم عند البصرية، ادخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل، لان من رأيهم أن يبتدؤا بالمتحرك ويقفوا على الساكن، ومنهم من ابتدأ بتحريك الساكن، فقال: سم وسم فقال:
بسم الذي في كل سورة سمه واشتقاقه من السمو، لأنه رفعة للمسمى وإشارة إليه، ويدل عليه تصريفه على أسماء وأسامي، وسمي وسميت، ومجئ سمى كهدى، قال:
والله أسماك سمى مباركا * آثرك الله به تباركا (1) - ومن المقلوبة الأوائل عند الكوفيين، أصله (وسم) قلبت واوه همزة.
وقيل: حذفت واوه وعوضت عنها همزة الوصل، ليقل إعلاله.
ورد بأن الهمزة لم تعهد داخلة على ما حذف صدره في كلامهم.
ورد بأن كلمة اتصر قد حذفت منها التاء وأدخلت عليها الهمزة.
ورد ذلك بأن غير المعهود ما حذف صدره وأدخلت عليه الهمزة، وهو ليس كذلك.
Bogga 35
وأجيب بكلمة (أكرم) فإنه حذف منه الهمزة التي [هي] صدره وأدخل عليه همزة المتكلم، فتأمل.
والمراد منه اللفظ المغاير للمسمى، الغير المتألف من الأصوات، المتحد باختلاف الأمم والاعصار، وإرادة المسمى منه بعيد، لعدم اشتهاره بهذا المعنى، وقوله تعالى: " سبح اسم ربك الاعلى " (1). المراد منه تنزيه اللفظ، أو هو مفحم فيه، كقوله:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *................. (2) - ورأي أبي الحسن الأشعري، أن المراد بالاسم الصفة، وهو ينقسم عنده إلى ما هو نفس المسمى، وإلى ما هو غيره، وإلى ما ليس هو ولا غيره.
قيل: وهو عند أهل الظاهر من الألفاظ، فعلى هذا لا يصح قولهم: الاسم عين المسمى.
وعند الصوفية عبارة عن ذات الحق والوجود المطلق، إذا اعتبرت مع صفة معنية وتجل خاص، فالرحمن مثلا، هو الذات الإلهية مع صفة الرحمة، والقهار مع صفة القهر، فعلى هذا الاسم عين المسمى بحسب التحقق والوجود وإن كان غيره بحسب التعقل، والأسماء الملفوظة هي أسماء هذه الأسامي، وإضافته إلى الله على التقديرين لامية، والمراد به بعض أفراده التي من جملتها الله والرحمن والرحيم.
ويمكن أن تراد به هذه الأسماء بخصوصها بقرينة التصريح بها.
ويحتمل أن تكون الإضافة بيانية، أما على التقدير الثاني فظاهرة، وأما على الأول فبأن يراد بالأسماء الثلاثة أنفسها لا معانيها، ويكون الرحمن الرحيم جاريين على الله على سبيل الحكاية عما أريد به من المعنى، والاستعانة والتبرك بالألفاظ بإجرائها على اللسان وإخطار معانيها بالبال، وبالمعاني بإخطارها بالبال وإجراء ما
Bogga 36
ناسبها على اللسان. واقحم الاسم لكون التبرك والاستعانة باسمه، والفرق بين اليمين واليمن، ولم يكتب الألف لكثرة الاستعمال، وتطويل الباء عوض عنه.
" والله ": أصله الاله - فحذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف، ولذلك قيل (يا الله) بالقطع - علم الذات الواجب المستحق لجميع المحامد، وقد يستعمل في المعبود بالحق مجازا.
والدليل على الأول أن كلمة (لا إله إلا الله) يفيد التوحيد من غير اعتبار عهد و غلبة ضرورة، وبالاتفاق من الثقات، فلو لم يكن علما لم يكن مفيدا، وهو ظاهر.
وعلى الثاني قوله تعالى: " وهو الله في السماوات " (1) قيل: لو لم يكن علما.
فالمراد بكلمة (إله) الواقعة اسم (لا) أما مطلق المعبود، فيلزم الكذب، أو المعبود بالحق فيلزم استثناء الشئ عن نفسه.
ورد، بأن المراد المعبود بالحق، ولا يلزم استثناء الشئ عنه، لان كلمة (الله) صارت بالغلبة مختصة بفرد من مفهومها.
وقيل: لأنه يوصف ولا يوصف به، ولأنه لابد له من اسم يجري عليه صفاته ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه.
ورد بأنه يمكن أن يقال: إنه كان في الأصل وصفا لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره، صار كالعلم، مثل: الثريا والصعق، أجري مجراه في إجراء الوصف عليه.
واستدل الذاهبون إلى أنه كان في الأصل وصفا فغلب، بأن ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر حقيقي أو غيره غير معقول للبشر، فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ، وبأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوصة لما أفاد ظاهر قوله تعالى: " وهو الله في السماوات " معنى صحيحا، وبأن معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركا للآخر في المعنى والتركيب، وهو حاصل بينه وبين بعض الألفاظ.
والجواب عن الأول: أنه يكفي في الوضع ملاحظة الذات المخصوصة بوجه، وهو
Bogga 37
معقول للبشر.
وعن الثاني: بأنا قد بينا أنه يطلق على مفهوم المعبود مجازا.
وعن الثالث: بأن اشتقاقه من لفظ آخر لا ينافي علميته، لجواز اشتقاق لفظ من لفظ ثم وضعه لشئ مخصوص.
واشتقاقه من أله آلهة وألوهة وألوهية بمعنى عبد، ومنه تأله واستأله، فالإله المعبود. أو من أله إذا تحير، إذ العقول تحير في معرفته. أو من ألهت فلانا أي سكنت إليه، لان القلوب تطمئن بذكره والأرواح تسكن إلى معرفته. أو من أله إذا فزع من أمر نزل عليه. أو ألهه أجاره، إذ العابد يفزع إليه، أو هو يجيره حقيقة، أو بزعمه إذا أطلق على غير الله كاطلاقهم الاله على الصبح. أو من أله الفصيل إذا ولع بأمه، إذ العباد يولعون بالتضرع إليه في الشدائد. أو من وله إذا تحير وتخبط عقله.
وكان أصله (ولاه) فقلبت الواو همزة، لاستثقال الكسرة عليها استثقال الضمة، في وجوه، فقيل: أله كأعاء وأشاح. ويرده الجمع على آلهة دون أولهة. و قيل: أصله (لاه) مصدر لاه يليه ليها ولاها إذا احتجب أو ارتفع، لأنه تعالى محجوب عن إدراك الابصار ومرتفع على كل شئ وعما لا يليق به، ويشهد له قول الشاعر:
كحلفة من أبي رباح * يسمعها لاهه الكبار (1) وقيل: أصله (لاها) بالسريانية، فعرب بحذف الألف الأخيرة وإدخال اللام عليه، قيل: تفخيم لامه إذا انفتح ما قبله أو انضم سنة، وقيل: مطلقا، وحذف ألفه
Bogga 38