276

Tafsir Weyn

التفسير الكبير

Noocyada

قوله تعالى: { فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه }؛ يعني لما جاوز طالوت النهر هو والذين صدقوه وهم القليل الذين لم يشربوا إلا مقدار الغرفة، { قالوا }؛ أي قال الذين شربوا وخالفوا أمر الله وكانوا أهل شرك ونفاق: { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده }؛ وانصرفوا عن طالوت ولم يشهدوا قتال جالوت. قال بعض المفسرين: إن القوم كلهم جاوزوا النهر، ثم إن الذين خالفوا في الشرب من النهر اعتزلوا من المطيعين و { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده }.

قوله تعالى: { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله }؛ معناه: قال الذين يوقنون ويعلمون أنهم ملاقو الله؛ وهم القليل الذين ثبتوا مع طالوت، { كم من فئة قليلة } أي كم من فرقة قليلة قهرت فرقة عدتها كثيرة بأمر الله ونصرته، وكانت فئة جالوت مائة ألف. والفئة جمع لا واحد له من لفظه.

قوله تعالى: { والله مع الصابرين }؛ أي معهم بالنصر والمعونة.

[2.250-251]

قوله تعالى: { ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنآ أفرغ علينا صبرا }؛ معناها: لما خرجوا واصطفوا لمحاربة جالوت وجنوده، قالوا: ربنا أصبب علينا الصبر صبا، { وثبت أقدامنا }؛ في أماكنها في الحرب بتقوية قلوبنا، { وانصرنا على القوم الكافرين }؛ أي أعنا على قوم جالوت بإلقاء الرعب في قلوبهم، { فهزموهم بإذن الله }؛ في هذا الحال؛ لأن ذكر الهزيمة بعد سؤال النصر يدل على إجابة الدعاء، كأن الله تعالى قال: فاستجاب الله دعاءهم فهزموهم.

قوله تعالى: { وقتل داود جالوت }؛ قال المفسرون: لما عبر طالوت ومن معه النهر، كان من جملة من عبر معهم أبو داود عليه السلام واسمه إيشا في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغرهم، ثم إن جالوت أرسل إلى طالوت: أن أرسل إلي من يقابلني، فإن قتلني فلكم ملكي، وإن قتلته في ملككم. فشق ذلك على طالوت ونادى في عسكره: من قتل منك جالوت زوجته ابنتي وأعطيته نصف مملكتي، فلم يجب أحد منهم وهاب الناس جالوت، فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله، فدعا الله تعالى، فأتى بقرن فيه دهن فقيل له: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم، فلم يوافق ذلك منهم أحد، فأوحى الله إلى نبيهم أن في أولاد إيشا من يقتل جالوت، فدعا طالوت إيشا وقال له: اعرض علي أولادك، فأخرج له اثنا عشر رجلا أمثال الاسطوانات، وفيهم رجل فارع عليهم، فجعل يعرضهم على القرن، فلم ير شيئا، فلم يزل يردد القرن على ذلك الجسيم حتى أوحى إليه أنا لا نأخذ الرجال على قدر صورهم، بل على إصلاح قلوبهم، فقل لإيشا: هل لك ولد غيرهم؟ فقال: لا، فقال: رب إنه زعم أنه لا ولد له غيرهم، فقال: كذب. فقال له: إن ربك كذبك، فقال: صدق الله، إن لي ابنا صغيرا يقال له داود استحيت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته، فجعلته في الغنم يرعى وهو في شعب كذا، وكان داود عليه السلام قصيرا مشقا أزرقا، فخرج طالوت في طلبه، فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها الغنم، فوجده يحمل شاتين يجوز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء، فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه، هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم. فدعاه فوضع القرن على رأسه؛ ففاض، قال: هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك بابنتي وأعطيك نصف مملكتي، قال: نعم، قال له: فهل جربت نفسك في شيء، قال: نعم؛ وقع الذئب في غنمي فضربته ثم أخذت برأسه وجسده وقطعت رأسه من جسده، فقال له طالوت: إن الذئب ضعيف، فهل جربت نفسك في غيره، قال: نعم؛ دخل الأسد في غنمي؛ فضربته وأخذت بلحييه فشققتهما.

فمضى به طالوت إلى عسكره، فمر داود بثلاثة أحجار فقلن له: خذنا معك ففينا ميتة جالوت، فأخذهن ثم مضى. فلما تصافوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة، انتدب إليه داود، فأعطاه طالوت فرسا ودرعا وسلاحا، فقال داود: إني لم أتعود القتال بهذا، ولكني أقاتله بالمقلاعة كما أريد، فأخذ داود المقلاعة ومضى نحو جالوت.

وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم، وكان له بيضة هي ثلاثمائة رطل من حديد، فلما نظر إلى داود ألقى في قلبه الرعب، وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التام، قال: برزت إلي بالمقلاعة والحجر لتقتلني كما تقتل الكلب، قال: نعم، لأنك شر من الكلب. قال جالوت: لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطيور السماء. فقال داود: بل يقسم الله لحمك، ثم قال داود: باسم إله إبراهيم، وأخرج حجرا ووضعه في مقلاعته، ثم أخرج الحجر الثاني وقال: باسم إله إسحق؛ ووضعه في مقلاعته، ثم أخرج الحجر الثالث، وقال: باسم إله يعقوب؛ ووضعه في مقلاعته، فصارت كلها حجرا واحدا ودور المقلاع ورمى به، فأصاب الحجر أنف البيضة وخلط دماغه وخرج من قفاه، وقتل من ورائه ثلاثين رجلا، وهزم الله الجيش وخر جالوت قتيلا.

فأخذه داود وجره حتى ألقاه بين يدي طالوت ثم قال له: أنجزني ما وعدتني وأعطني امرأتي، فقال له طالوت: أتريد ابنة الملك بغير صداق، قال: ما شرطت علي صداقا، وليس لي شيء. فزوجه ابنته، وأراد أن يدفع إليه نصف ملكه فقال له وزير: إن دفعت إليه ذلك نازعك في الملك وأفسد عليك ملكك، فامتنع طالوت من ذلك وقصد قتله، فهرب داود عليه السلام فندم طالوت فخرج في طلبه حتى أتى على امرأة من قدماء بني إسرائيل وهو يبكي على داود، فضرب بابها؛ فقالت: من هذا؟ قال: أنا طالوت، قالت: أنت أشقى الناس؛ طردت داود وقد قتل جالوت وهزم جنوده، قال: إنما أتيتك لأسألك ما توبتي؟ قالت: توبتك أن تأتي مدينة كذا وتقاتل أهلها، فإن فتحتها فهي توبتك، وإن قتلت فهي عقوبتك.

فانطلق طالوت إلى تلك المدينة فقاتل أهلها حتى قتل. فاجمع بنو إسرائيل فملكوا داود عليه السلام من بعده. فذلك قوله تعالى: { وآتاه الله الملك والحكمة }؛ أي جمع له بين الملك والنبوة. والحكمة هي النبوة، ولم يجتمع كلاهما لأحد إلا لداود وسليمان عليهم السلام. قوله عز وجل: { وعلمه مما يشآء }؛ أي علمه الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من العلوم، { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض }؛ أي ولولا دفع الله بأس المشركين بالغزاة والمجاهدين كما دفع بداود شر جالوت لفسدت الأرض بأهلها لغلبة الكفار. وقيل: معناه: لولا الأنبياء صلوات الله عليهم الداعون إلى سبيله الناهون عن الفساد؛ لفسدت أحوال الناس.

Bog aan la aqoon