Tafsir Ibn Kathir
تفسير ابن كثير
Tifaftire
سامي بن محمد السلامة
Daabacaha
دار طيبة للنشر والتوزيع
Daabacaad
الثانية
Sanadka Daabacaadda
1420 AH
Noocyada
Fasiraadda
قَالَ (١) ابْنُ جَرِيرٍ: وَمَنْ نَصَبَ غِشَاوَةً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ يَحْتَمِلُ (٢) أَنَّهُ نَصَبَهَا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، تَقْدِيرُهُ: وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهَا عَلَى الْإِتْبَاعِ، عَلَى مَحَلِّ ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٢٢]، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَلَفْتُها تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى شَتتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا (٣)
وَقَالَ الْآخَرُ:
وَرَأَيْتُ زَوْجَك فِي الْوَغَى ... متقلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا (٤)
تَقْدِيرُهُ: وَسَقَيْتُهَا مَاءً بَارِدًا، ومعتَقِلا رُمْحًا.
لَمَّا تَقَدَّمَ وَصْفُ الْمُؤْمِنِينَ فِي صَدْرِ السُّورَةِ بِأَرْبَعِ آيَاتٍ، ثُمَّ عَرَّفَ حَالَ الْكَافِرِينَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، شَرَعَ تَعَالَى فِي بَيَانِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ، وَلَمَّا كَانَ أَمْرُهُمْ يَشْتَبِهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِمْ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كُلٌّ مِنْهَا نِفَاقٌ، كَمَا أَنْزَلَ (٥) سُورَةَ بَرَاءَةٌ فِيهِمْ، وَسُورَةَ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ، وَذَكَرَهُمْ فِي سُورَةِ النُّورِ وَغَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ، تَعْرِيفًا لِأَحْوَالِهِمْ لِتُجْتَنَبَ، وَيُجْتَنَبُ مَنْ تَلَبَّسَ (٦) بِهَا أَيْضًا، فَقَالَ تَعَالَى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)﴾
النِّفَاقُ: هُوَ إِظْهَارُ الْخَيْرِ وَإِسْرَارُ الشَّرِّ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: اعْتِقَادِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي يَخْلُدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ، وَعَمَلِيٌّ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (٧) فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْمُنَافِقُ يُخَالِفُ قَوْلُه فِعْلَهُ، وسِرّه عَلَانِيَتَهُ، وَمَدْخَلُهُ مَخْرَجَهُ، وَمَشْهَدُهُ مَغِيبه.
وَإِنَّمَا نَزَلَتْ صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاقٌ، بَلْ كَانَ خِلَافُهُ، مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يُظْهِرَ الْكُفْرَ مُسْتَكْرَها، وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ مُؤْمِنٌ، فلمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ بِهَا الْأَنْصَارُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَكَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، عَلَى طَرِيقَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَبِهَا الْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى طَرِيقَةِ أَسْلَافِهِمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَ قَبَائِلَ: بَنُو قَيْنُقَاع حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو النَّضِير، وَبَنُو قُرَيْظَة حُلَفَاءُ الْأَوْسِ، فلمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المدينة، وأسلم من أسلم
(١) في جـ: "وقال".
(٢) في جـ، ط: "فيحتمل".
(٣) البيت في تفسير الطبري (١/٢٦٤) .
(٤) البيت في تفسير الطبري (١/٢٦٥) وهو للحارث المخزومي.
(٥) في جـ: "كما أنزلت".
(٦) في جـ: "يتلبس".
(٧) في جـ: "تفسيره".
1 / 176