Tafsirka Badda Muhitka
البحر المحيط في التفسير
Baare
صدقي محمد جميل
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً فَلَا يُبْصِرُونَ سَبِيلَ الْهِدَايَةِ. وَمِنْهَا: وَلَهُمْ عَذَابٌ، أَيْ وَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ دَائِمٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ أَوْ بِالْإِذْلَالِ وَوَضْعِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. الْخَامِسُ: التَّعْمِيمُ: وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَذَابٌ وَلَمْ يَقُلْ عَظِيمٌ لَاحْتَمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَلَمَّا وَصَفَهُ بِالْعَظِيمِ تَمَّمَ الْمَعْنَى وَعَلِمَ أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ عَظِيمٌ، إِمَّا فِي الْمِقْدَارِ وَإِمَّا فِي الْإِيلَامِ وَالدَّوَامِ. السَّادِسُ: الْإِشَارَةُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السَّوَاءَ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِمْ وَبَالُهُ وَنَكَالُهُ عَلَيْهِمْ وَمُسْتَعْلٍ فَوْقَهُمْ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بَيَانَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِمْ فَحَسْبُ لَقَالَ: سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا قَالَ: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ، نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْلٍ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَنَّ عَلَى تُشْعِرُ بِالِاسْتِعْلَاءِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ تَضَّمَنَ مَعْنَى الْوَبَالِ وَالنَّكَالِ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلِ الْمَعْنَى فِي قَوْلِكَ سَوَاءٌ عَلَيْكَ وَعِنْدَكَ كَذَا وَكَذَا وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ بِعَلَى، قَالَ تَعَالَى: سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ «١»، سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا «٢»، سَوَاءٌ عَلَيْهَا رِحْلَتِي وَمَقَامِي، وَكُلُّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْوَبَالِ وَالنَّكَالِ عَلَيْهِمْ. السَّابِعُ: مَجَازُ التَّشْبِيهِ شَبَّهَ قُلُوبَهُمْ لِتَأَبِّيهَا عَنِ الْحَقِّ، وَأَسْمَاعَهُمْ لِإِضْرَابِهَا عَنْ سَمَاعِ دَاعِيَ الْفَلَاحِ، وَأَبْصَارَهُمْ لِامْتِنَاعِهَا عَنْ تَلَمُّحِ نُورِ الْهِدَايَةِ بِالْوِعَاءِ الْمَخْتُومِ عَلَيْهِ الْمَسْدُودِ مَنَافِذُهُ الْمُغَشَّى بِغِشَاءٍ يَمْنَعُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَا يُصْلِحُهُ، لَمَّا كَانَتْ مَعَ صِحَّتِهَا وَقُوَّةِ إِدْرَاكِهَا مَمْنُوعَةً عَنْ قَبُولِ الْخَيْرِ وَسَمَاعِهِ وَتَلَمُّحِ نُورِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ، إِذِ الْخَتْمُ وَالْغِشَاوَةُ لَمْ يُوجَدَا حَقِيقَةً، وَهُوَ بِالِاسْتِعَارَةِ أَوْلَى، إِذْ مِنْ شَرْطِ التَّشْبِيهِ أَنْ يُذْكَرَ المشبه والمشبه به.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٨ الى ١٠]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ، النَّاسُ: اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لفظه،
(١) سورة الشعراء: ٢٦/ ١٣٦. (٢) سورة إبراهيم: ١٤/ ٢١.
1 / 84