Tafsirka Badda Muhitka

Abu Hayyan Gharnati d. 745 AH
69

Tafsirka Badda Muhitka

البحر المحيط في التفسير

Baare

صدقي محمد جميل

Daabacaha

دار الفكر

Lambarka Daabacaadda

١٤٢٠ هـ

Goobta Daabacaadda

بيروت

يُنْفِقُونَ. أُولَئِكَ: اسْمُ إِشَارَةٍ لِلْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أنه للرتبة القصوى كأولالك، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لِلرُّتْبَةِ الْوُسْطَى، قَاسَهُ عَلَى ذَا حِينَ لَمْ يَزِيدُوا فِي الْوُسْطَى عَلَيْهِ غَيْرَ حَرْفِ الخطاب، بخلاف أولالك. وَيَضْعُفُ قَوْلُهُ كَوْنَ هَاءِ التنبيه لا ندخل عَلَيْهِ. وَكَتَبُوهُ بِالْوَاوِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِلَيْكَ، وَبُنِيَ لِافْتِقَارِهِ إِلَى حَاضِرٍ يُشَارُ إِلَيْهِ بِهِ، وَحُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبِالْكَسْرِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَائِهِمَا. الْفَلَاحُ: الْفَوْزُ وَالظَّفْرُ بِإِدْرَاكِ الْبُغْيَةِ، أَوِ الْبَقَاءِ، قِيلَ: وَأَصْلُهُ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ: إِنَّ الْحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ وَفِي تَشَارُكِهِ فِي مَعْنَى الشَّقِّ مُشَارَكَةً فِي الْفَاءِ وَالْعَيْنِ نَحْوَ: فَلَى وَفَلَقَ وَفَلَذَ، تَقَدَّمَ فِي إِعْرَابِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، أَنَّ مِنْ وَجْهَيْ رَفْعِهِ كَوْنَهُ مُبْتَدَأً، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أُولَئِكَ مَعَ مَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ الَّذِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا وَعَطْفَ بَيَانٍ، وَيَمْتَنِعُ الْوَصْفُ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ. وَيَكُونُ خَبَرَ الَّذِينَ إِذْ ذَاكَ قَوْلُهُ: عَلى هُدىً، وَإِنْ كَانَ رَفْعُ الَّذِينَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ كَانَ مَجْرُورًا أَوْ مَنْصُوبًا، كَانَ أُولَئِكَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ عَلى هُدىً، وقد تقدم أنا لا نَخْتَارُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ لِانْفِلَاتِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَالذَّهَابِ بِهِ مَذْهَبَ الِاسْتِئْنَافِ مَعَ وُضُوحِ اتِّصَالِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلتَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ فِي الِاسْتِئْنَافِ فِيمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعَلُّقِ بِمَا قَبْلَهُ وَالِارْتِبَاطِ بِهِ. وَقَدْ وَجَّهَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجْهَ الِاسْتِئْنَافِ بِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الكتاب اختص المتقون بِكَوْنِهِ هُدًى لَهُمْ، اتَّجَهَ لِسَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا بَالُ الْمُتَّقِينَ مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ؟ فَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا هَذِهِ الْأَوْصَافَ الْجَلِيلَةَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ، وَالْإِيمَانِ بِالْمُنْزَلِ، وَالْإِيقَانِ بِالْآخِرَةِ عَلَى هُدًى فِي الْعَاجِلِ، وَذَوُو فَلَاحٍ فِي الْآجِلِ. ثُمَّ مَثَّلَ هَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ مِنَ الِاسْتِئْنَافِ بِقَوْلِهِ: أَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْأَنْصَارَ الَّذِينَ قَارَعُوا دُونَهُ، فَكَشَفُوا الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِهِ، أُولَئِكَ أَهْلٌ لِلْمَحَبَّةِ، يَعْنِي أَنَّهُ اسْتَأْنَفَ فَابْتَدَأَ بِصِفَةِ الْمُتَّقِينَ، كَمَا اسْتَأْنَفَ بِصِفَةِ الْأَنْصَارِ. وَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنَ الِاتِّصَالِ يَكُونُ قَدْ وَصَفَ الْمُتَّقِينَ بِصِفَاتِ مَدْحٍ فَضَلَتْ جِهَاتِ التَّقْوَى، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ وَأَعْلَمَ بِأَنَّ مَنْ حَازَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ الشَّرِيفَةَ هُوَ عَلَى هُدًى، وَهُوَ الْمُفْلِحُ وَالِاسْتِعْلَاءُ الَّذِي أَفَادَتْهُ فِي قَوْلِهِ: عَلى هُدىً، هُوَ مَجَازٌ نَزَّلَ الْمَعْنَى مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ، وَأَنَّهُمْ لِأَجْلِ مَا تَمَكَّنَ رُسُوخُهُمْ فِي الْهِدَايَةِ جُعِلُوا كَأَنَّهُمُ اسْتَعْلَوْهُ كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ عَلَى الْحَقِّ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ هَذَا الِاسْتِقْرَارُ عَلَى الْهُدَى بِمَا اشْتَمَلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَوْصَافِ

1 / 72