Tafsirka Badda Muhitka
البحر المحيط في التفسير
Baare
صدقي محمد جميل
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
اخْتَرْنَا حَذْفَ الْخَبَرِ بَعْدَ لَا رَيْبَ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَنْزِيلُ الْمَعَانِي مَنْزِلَةَ الْأَجْسَامِ، إِذْ جَعَلَ الْقُرْآنَ ظَرْفًا وَالْهُدَى مَظْرُوفًا، فَأَلْحَقَ الْمَعْنَى بِالْعَيْنِ، وَأَتَى بِلَفْظَةٍ فِي الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْوِعَاءِ كَأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْهُدَى وَمُحْتَوٍ عَلَيْهِ احْتِوَاءَ الْبَيْتِ عَلَى زَيْدٍ فِي قَوْلِكَ: زَيْدٌ فِي الْبَيْتِ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ: الْإِيمَانُ: التَّصْدِيقُ، وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا «١»، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الأمانة، ومعناهما الطمأنينة، منه: صَدَّقَهُ، وَأَمِنَ بِهِ: وَثِقَ بِهِ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَمِنَ لِلصَّيْرُورَةِ كَأَعْشَبَ، أَوْ لِمُطَاوَعَةِ فِعْلٍ كَأَكَبَّ، وَضُمِّنَ مَعْنَى الِاعْتِرَافِ أَوِ الْوُثُوقِ فَعُدِّيَ بِالْبَاءِ، وَهُوَ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ وَاللَّامِ فَما آمَنَ لِمُوسى «٢»، وَالتَّعْدِيَةُ بِاللَّامِ فِي ضِمْنِهَا تَعَدٍّ بِالْبَاءِ، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ التَّعْدِيَتَيْنِ. الْغَيْبُ: مَصْدَرُ غَابَ يَغِيبُ إِذَا تَوَارَى، وَسُمِّي الْمُطَمْئِنُ مِنَ الْأَرْضِ غَيْبًا لِذَلِكَ أَوْ فَعِيلٌ مِنْ غَابَ فَأَصْلُهُ غَيَّبَ، وَخُفِّفَ نَحْوَ: لَيِّنٍ فِي لِينٍ، وَالْفَارِسِيُّ لَا يَرَى ذَلِكَ قِيَاسًا فِي بنات الْيَاءِ، فَلَا يُجِيزُ فِي لِينٍ التَّخْفِيفَ وَيُجِيزُهُ فِي ذوات الواو، نحو: سَيِّدٍ وَمَيِّتٍ، وَغَيْرُهُ قَاسَهُ فِيهِمَا. وَابْنُ مَالِكٍ وَافَقَ أَبَا عَلِيٍّ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ. وَخَالَفَ الْفَارِسِيُّ فِي ذَوَاتِ الْوَاوِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ لَا مَقِيسٌ، وَتَقْرِيرُ هَذَا فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ. وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَالْإِقَامَةُ: التَّقْوِيمُ، أَقَامَ الْعَوْدَ قَوَّمَهُ، أَوِ الْإِدَامَةُ أَقَامَتِ الْغَزَالَةُ سُوقَ الضِّرَابِ، أَيْ أَدَامَتْهَا مِنْ قَامَتِ السُّوقُ، أَوِ التَّشَمُّرُ وَالنُّهُوضُ مِنْ قَامَ بِالْأَمْرِ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَقَامَ لِلتَّعْدِيَةِ.
الصَّلَاةُ: فَعَلَةٌ، وَأَصْلُهُ الْوَاوُ لِاشْتِقَاقِهِ مِنَ الصَّلَى، وَهُوَ عِرْقٌ مُتَّصِلٌ بِالظَّهْرِ يَفْتَرِقُ مِنْ عِنْدِ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَيَمْتَدُّ مِنْهُ عِرْقَانِ فِي كُلِّ وَرِكٍ، عِرْقٌ يُقَالُ لَهُمَا الصَّلَوَانِ فَإِذَا رَكَعَ الْمُصَلِّي انْحَنَى صَلَاهُ وَتَحَرَّكَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ مَصْلِيًّا، وَمِنْهُ أُخِذَ الْمُصَلِّي فِي سَبْقِ الْخَيْلِ لِأَنَّهُ يَأْتِي مَعَ صِلْوَيِ السَّابِقِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَاشْتُقَّتِ الصَّلَاةُ مِنْهُ إِمَّا لِأَنَّهَا جَاءَتْ ثَانِيَةَ الْإِيمَانِ فَشُبِّهَتْ بِالْمُصَلَّى مِنَ الْخَيْلِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الرَّاكِعَ وَالسَّاجِدَ يَنْثَنِي صَلَوَاهُ، وَالصَّلَاةُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَنْتَظِمُ مِنْ أَقْوَالٍ وَهَيْئَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَصَلَّى فَعَلَ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا صَلَّى دَعَا فَمَجَازٌ وَعِلَاقَتُهُ تَشْبِيهُ الدَّاعِي فِي التَّخَشُّعِ وَالرَّغْبَةِ بِفَاعِلِ الصَّلَاةِ، وَجَعَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ الصَّلَاةَ مِمَّا أُخِذَ مِنْ صَلَّى بِمَعْنَى دَعَا، كَمَا قَالَ:
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي ... نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعًا
وَقَالَ:
لَهَا حَارِسٌ لَا يَبْرَحُ الدَّهْرَ بَيْتَهَا ... وَإِنْ ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا
(١) سورة يوسف: ١٢/ ١٧. (٢) سورة يونس: ١٠/ ٨٣.
1 / 65