Tafsirka Badda Muhitka
البحر المحيط في التفسير
Baare
صدقي محمد جميل
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
لَا تَلُمْنِي إِنَّهَا مِنْ نِسْوَةٍ ... رُقَّدِ الصَّيْفِ مَقَالِيتٍ نُزَرْ
كَبَنَاتِ الْبَحْرِ يَمْأَدَنَّ كَمَا ... أَنْبَتَ الصَّيْفُ عَسَالِيجَ الْخُضَرْ
وَقَدْ أَبْدَلُوا الْبَاءَ مِيمًا فَقَالُوا: بَنَاتُ الْمَحْرِ، كَمَا قَالُوا: رَأَيْتُهُ مِنْ كَثَبٍ وَمِنْ كَثَمٍ.
وَظُلُمَاتٌ: مُرْتَفِعٌ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، لِأَنَّهُ قَدِ اعْتَمَدَ إِذَا وَقَعَ صِفَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ الْمُخَصَّصَةِ بِقَوْلِهِ: مِنَ السَّماءِ، إِمَّا تَخْصِيصُ الْعَمَلِ، وَإِمَّا تَخْصِيصُ الصِّفَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي إِعْرَابِ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَجَازُوا أَنْ يَكُونَ ظُلُمَاتٌ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ، وَفِيهِ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ. وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا لِأَنَّهُ إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْجُمَلِ، كَانَ الْأَوْلَى جَعْلَهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ وَجَمْعَ الظُّلُمَاتِ، لِأَنَّهُ حَصَلَتْ أَنْوَاعٌ مِنَ الظُّلْمَةِ. فَإِنْ كَانَ الصَّيِّبُ هُوَ الْمَطَرُ، فَظُلُمَاتُهُ ظُلْمَةُ تَكَاثُفِهِ وَانْتِسَاجِهِ وَتَتَابُعِ قَطْرِهِ، وَظُلْمَةُ:
ظِلَالِ غَمَامِهِ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَإِنْ كَانَ الصَّيِّبُ هُوَ السَّحَابُ، فَظُلْمَةُ سَجْمَتِهِ وَظُلْمَةُ تَطْبِيقِهِ مَعَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الصَّيِّبِ، فَإِذَا فُسِّرَ بالمطر، فكان ذَلِكَ السَّحَابُ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ مُلْتَبِسَيْنِ بِالْمَطَرِ جُعِلَا فِيهِ عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ، وَلَمْ يُجْمَعِ الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جُمِعَتْ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمَصْدَرُ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِرْعَادٌ وَإِبْرَاقٌ، وَإِنْ أُرِيدَ الْعَيْنَانِ فَلِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مَصْدَرَيْنِ فِي الْأَصْلِ، إِذْ يُقَالُ:
رَعَدَتِ السَّمَاءُ رَعْدًا وَبَرَقَتْ بَرْقًا، رُوعِيَ حُكْمُ أَصْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى الْجَمْعِ، كَمَا قَالُوا: رَجُلٌ خَصْمٌ، وَنُكِّرَتْ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ الْعُمُومَ، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ اشْتِمَالُ الصَّيِّبِ عَلَى ظُلُمَاتٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ.
وَالضَّمِيرُ فِي يَجْعَلُونَ عَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ لِلْعِلْمِ بِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ، فَتَارَةً يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ مَلْفُوظٌ بِهِ فَتَعُودُ الضَّمَائِرُ عَلَيْهِ كَحَالِهِ مَذْكُورًا، وَتَارَةً يُطْرَحُ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. فَمِنَ الْأَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ «١»، التَّقْدِيرُ، أَوْ كَذِي ظُلُمَاتٍ، وَلِذَلِكَ عَادَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: يَغْشَاهُ. وَمِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الِالْتِفَاتُ وَالْإِطْرَاحُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ «٢» الْمَعْنَى مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ فَقَالَ: فَجَاءَهَا، فَأَطْرَحَ الْمَحْذُوفَ وقال: أو هم، فَالْتَفَتَ إِلَى الْمَحْذُوفِ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: يَجْعَلُونَ لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ
(١) سورة النور: ٢٤/ ٤٠. (٢) سورة الأعراف: ٧/ ٤.
1 / 140