Tafsirka Badda Muhitka
البحر المحيط في التفسير
Baare
صدقي محمد جميل
Daabacaha
دار الفكر
Lambarka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
قَالَ تَعَالَى: لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ «١»، أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ «٢»، وَمِنْهُ قِيلَ لحرب كانت بين طيء: حَرْبُ الْفَسَادِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وُوَجْهُ الْفَسَادِ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي قِيلَتْ أَنَّهَا كُلَّهَا كَبَائِرُ عَظِيمَةٌ وَمَعَاصٍ جَسِيمَةٌ، وَزَادَهَا تَغْلِيظًا إِصْرَارُهُمْ عَلَيْهَا، وَالْأَرْضُ مَتَى كَثُرَتْ مَعَاصِي أَهْلَهَا وَتَوَاتَرَتْ، قَلَّتْ خَيْرَاتُهَا وَنُزِعَتْ بَرَكَاتُهَا وَمُنِعَ عَنْهَا الْغَيْثُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ، فَكَانَ فِعْلُهُمُ الْمَوْصُوفُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ لِفَسَادِ الْأَرْضِ وَخَرَابِهَا. كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ وَنُزُولِ الْبَرَكَاتِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ «٣»، وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ «٤»، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا «٥»، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ «٦»، الْآيَاتِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ مَا
رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ الْفَاجِرَ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ، إِنَّ مَعَاصِيَهِ يَمْنَعُ اللَّهُ بِهَا الْغَيْثَ، فَيَهْلِكُ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ لِعَدَمِ النَّبَاتِ وَانْقِطَاعِ الْأَقْوَاتِ.
وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُسَبِّبِ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ السَّبَبِ. فَمُتَعَلِّقُ النَّهْيِ حَقِيقَةً هُوَ مُصَافَاةُ الْكُفَّارِ وَمُمَالَأَتُهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِإِفْشَاءِ السِّرِّ إِلَيْهِمْ وَتَسْلِيطِهِمْ عَلَيْهِمْ، لِإِفْضَاءِ ذَلِكَ إِلَى هَيْجِ الْفِتَنِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَجَعَلَ مَا رُتِّبَ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ حَقِيقَةً مَنْهِيًّا عَنْهُ لَفْظًا. وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ هُنَا كَالنَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ «٧» . وَلَيْسَ ذِكْرُ الْأَرْضِ لِمُجَرَّدِ التَّوْكِيدِ بَلْ فِي ذلك تنبيه على أن هَذَا الْمَحَلَّ الَّذِي فِيهِ نَشْأَتُكُمْ وَتَصَرُّفُكُمْ، وَمِنْهُ مَادَّةُ حَيَاتِكُمْ، وَهُوَ سُتْرَةُ أَمْوَاتِكُمْ، جَدِيرٌ أَنْ لَا يُفْسَدَ فِيهِ، إِذْ مَحَلُّ الْإِصْلَاحِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَحَلَّ الْإِفْسَادِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها»
وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ «٩»، وَقَالَ تَعَالَى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ «١٠»، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا «١١»، الْآيَةَ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُنَبِّهَةِ عَلَى الِامْتِنَانِ عَلَيْنَا بِالْأَرْضِ، وَمَا أَوْدَعَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَا تَكَادُ تحصى.
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٠٥. (٢) سورة البقرة: ٢/ ٣٠. (٣) سورة نوح: ٧١/ ١٠. (٤) سورة الجن: ٧٢/ ١٦. [.....] (٥) سورة الأعراف: ٧/ ٩٦. (٦) سورة المائدة: ٥/ ٦٦. (٧) سورة البقرة: ٢/ ٦٠. (٨) سورة الأعراف: ٧/ ٥٦. (٩) سورة الملك: ٦٧/ ١٥. (١٠) سورة النازعات: ٧٩/ ٣٠- ٣٣. (١١) سورة عبس: ٨٠/ ٢٥.
1 / 107