301

Tafsir and the Exegetes

التفسير والمفسرون

Daabacaha

مكتبة وهبة

Goobta Daabacaadda

القاهرة

Noocyada

والبيان والإعراب، والأدب، ولقد أضفى هذا النبوغ العلمى والأدبى على تفسير الكشاف ثوبًا جميلًا، لفت إليه أنظار العلماء وعلَّق به قلوب المفسِّرين.
هذا.. وقد أحس الزمخشرى إحساسًا قويًا بضرورة الإلمام بعلمى المعانى والبيان قبل كل شئ، لمن يريد أن يُفسِّر كتاب الله ﷿، وجهر بذلك فى مقدمة الكشاف فقال: ".. ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح، وأنهضها بما يُبهر الألباب القوارح، من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدق سبكها، علم التفسير، الذى لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذى علم - كما ذكر الجاحظ فى كتاب نظم القرآن - فالفقيه وإن برز على الأقران فى علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن بَزَّ أهل الدنيا فى صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القِرِّية أحفظ، والواعظ وإن كان من الحسن البصرى أوعظ، والنحوى وإن كان أنحى من سيبويه، واللُّغوى وإن علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شئ من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع فى علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعانى، وعلم البيان، وتمهل فى ارتيادهما آونة، وتعب فى التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانهما همة فى معرفة لطائف حُجَّة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ، جامعًا بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثير المطالعات، طويل المراجعات، قد رَجَعَ زمانًا ورُجِعَ إليه، ورَدَّ ورُدَّ عليه، فارسًا فى علم الإعراب، مقدَّمًا فى حملة الكتاب، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتعل القريحة وقَّادها، يقظان النفس، درًا كاللمحة وإن لطف شأنها، منتبهًا على الرمزة وإن خفى مكانها، لا كزًَّا جاسيًا، ولا غليظًا جافيًا، متصرفًا ذا دراية بأساليب النظم والنثر، مرتاضًا غير ريض بتلقيح بنات الفكر، قد علم كيف يُرتَّب الكلام ويُؤلَّف، وكيف يُنظَّم ويُرصَّف، طالما دفع إلى مضايقه. ووقع فى مداحضه ومزالقه".
وفى الحقيقة أن الزمخشرى قد جمع كل هذه الوسائل التى لا بد منها للمفسِّر، فأخرج للناس هذا الكتاب العظيم فى تفسير القرآن "الكشاف عن حقائقه، المخلص من مضايقه، المطلع على غوامضه، المثبت فى مداحضه، المُلخِّص لنكته ولطائف نظمه، المُنَقِّر عن فِقَره وجواهر علمه، المكتنز بالفوائد المفتنَّة التى لا تُوجد إلا فيه، المحيط بما لا يكتنه من بدع ألفاظه ومعانيه، مع الإيجاز الحاذف للفضول، وتجنب المستكرَه

1 / 307