من السَّحاب المُسخَّر بين السماء والأرض، وهذا أَمْر مُشاهَد.
وقوله: ﴿رِزقًا﴾ أي: ماءً يَكون به الرِّزْق، فالذي يَنزِل ماءٌ يَكون به الرِّزْق، فهو نَفْسه رِزْق: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة: ٦٨، ٦٩]، وبه يَكون الرِّزْق ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ٥٧]، والثمَرات أَرْزاق تُؤكَل، والماء رِزْق يُشرَب، فهو رِزْق بكُلِّ حال.
وفي تَقديم الآياتِ على إنزال الرِّزْق من السماء دَليل على أن النِّعْمة الدِّينية أهَمُّ وأكبَرُ من النِّعْمة الدُّنْيوية.
قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ [غافر: ١٣].
قال المفَسِّر ﵀: [﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ دَلائِلَ تَوحيده، يَعنِي: التي تَدُلُّ على تَوْحيده وغير ذلك ممَّا تَدُلُّ عليه من مَعاني الرُّبوبية، [﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا﴾ بالمَطَر]، فالمفَسِّر ﵀ يَرَى أنَّ الرِّزْق هو ما يَخرُج بالمطَر. يَعنِي: النَّبات وما أَشبَه ذلك، ولكن ما ذكَرْناه هو الأصوَبُ، أن المطَر نَفسه رِزْق؛ لأن الله قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة: ٦٨، ٦٩]، وأحيانًا يَكون احتِياج البَدَن إلى الماء أكثَرَ مِنِ احتياجه إلى الأكل.
قال المفَسِّر ﵀: [﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ﴾ يَتَّعِظ ﴿إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ يَرجِع عن الشِّرْك]، وقوله: ﴿إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ قال المفَسِّر ﵀: [يَرجِع عن الشِّرْك]، وهذا لا شَكَّ أنه صَحيح لكنه قاصِر، فالصَّواب: ﴿مَنْ يُنِيبُ﴾ مَن يَرجع إلى الله ﷿ من الشِّرْك وغيره من المَعاصِي والفُسوق، فهو أعَمُّ مِمَّا قاله المفَسِّر.