وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ مُتَّصِلٌ بِبَعْضٍ.
لَكِنْ قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: فِي الآيَةِ محذوف حسَب قواعد النحو؛ لِأَنَّ قَوْلَه: ﴿الْغَالِبُونَ﴾ اسمُ فاعِل، وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (ال)، وهي بِمَعْنَى الِاسْمِ الموصول، والمعروف أَنَّ الِاسْمَ الموصولَ لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهُ فِيمَا قَبْلَهُ، فَلَا تَعْمَلُ صلتُه.
ونُجيب فنقول: (ال) هنا ليست بموصولة، بَلْ هِيَ كـ (أل) الداخلة عَلَى الِاسْمِ الجامِد، كالداخلة عَلَى الرَّجُلِ والأسد، وما أشبههما.
وخلاصة الْقَوْلِ: هُوَ أَنَّ الصَّواب أَنْ نَجْعَلَ قوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ متعلقًا بقوله: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾، ونَسْلَم مِنْ كُلِّ تلك المخالفات، ومن التقديرات، التي نعتمد عليها، ومن تعيين المقدر.
قَالَ المُفَسِّرُ ﵀: [﴿الْغَالِبُونَ﴾ لَهُمْ]، وحقيقة المعنى الغالبون لهم؛ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ العُموم نقول: أنتما ومَن اتَّبَعَكُما الغالبون لِلمخالفين.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: قوله: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى أعطى مُوسَى وَهَارُونَ آياتٍ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ أعطاه تِسْعَ آيَاتٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ﴾ [الإسراء: ١٠١].
وقوله: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا﴾ التابعون هُنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ومن آلِ فِرْعَوْنَ كذلك، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر: ٢٨].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قوله: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا﴾ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُنْصَر ويَغلِب باتِّباع الرُّسُل، وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلى النصر والغَلَبة إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي طَرِيقِ الرُّسل واتِّباعِهم.