173

Tafsir Al-Uthaymeen: Saba

تفسير العثيمين: سبأ

Daabacaha

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٣٦ هـ

Goobta Daabacaadda

المملكة العربية السعودية

Noocyada

ونَظير هذا: ما وقَعَ من النَّبيِّ ﷺ مع قُرَيْشٍ في صُلْح الحُدَيْبية مِن أن مَن ذهَب من المُسلِمين إليهم لا يَرُدُّونه، ومَن جاء من المُشرِكين مُسلِمًا إلى الرسول ﵊ فإنَّه يَرُدُّه؛ فعِندما تَنظُر إلى هذا الشَّرْطِ تَجِد أنَّه شرطٌ الرابح فيه هُمُ المُشرِكون؛ ولهذا قال عُمرُ ﵁: لمَ نعطِي الدَّنيَّة في دِيننا؟ ولماذا نَتَنازَل هذا التَّنازُلَ ونحن على الحَقِّ وهُم على الباطِل؟ ! ولكن الرسول ﷺ أجابه بقوله: "إِنِّي رَسُولُ الله وَلَسْتُ عَاصِيَهُ وَهُوَ نَاصِرِي"، فانظُرْ إلى الثِّقة بالله في هذا المَقامِ الضَّنْكِ الذي لم يَصبِر عليه أَجلَدُ الصّحابة كعُمرَ ﵁؛ أَجابه ﷺ بكلام هادِئ، كلام واثِق بالله، جازِم بالنَّصْر: "إِنِّي رَسُولُ الله"، والرسول يَأتَمِر بأَمْر مَن أَرسَله "وَلَسْتُ عَاصِيَهُ"، هذا بالنِّسبة للطاعة؛ ثُمَّ الثِّقَة: "وَهُوَ نَاصِرِي"، يقول مُوسَى لمَّا قال: ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٦٢]، فما أعظَمَ ثِقةَ الرُّسُل عليهم الصَّلاة والسلام بنَصْر الله ﷿، ونَسأَل الله تعالى أن يَهَب لنا من الثِّقة به ما يَزداد به إيمانُنا وتَوكُّلُنا. وأَقول: إن الرسول ﵊ أَتَى بهذه الشُّروطِ مع أن فيها غَضاضةً على المُسلِمين في ظاهِرها، ولكن كان في هذا الاتِّفاقِ فَتْح عَظيم سمَّاه الله ﷿ فَتحًا فقال: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ [الحديد: ١٠]، فسَمَّاه الله ﷾ فَتْحًا؛ وقال الرسول ﷺ: "أَمَّا مَنْ جَاءَ إِلَيْنَا مِنْهُمْ فَرَدَدْنَاهُ فَسَيَجْعَلُ الله لَهُ فَرَجًا، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَلَا نُرِيدُهُ لَا رَدَّهُ الله"، وحصَل هذا في قِصَّة أبي بَصير ﵁؛ حتَّى انتَهى الأَمْر إلى إِلْغاء الشَّرْط من قِبَل المُشرِكين. والشاهِدُ: أن صاحِب الحَقِّ وإِنْ أتَى بما ظاهِره الغَضاضة فإنَّه واثِق؛ فهنا قال تعالى: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

1 / 179