Tafsir al-Uthaymeen: Az-Zukhruf
تفسير العثيمين: الزخرف
Daabacaha
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٣٦ هـ
Goobta Daabacaadda
المملكة العربية السعودية
Noocyada
سجْنُ المُؤمِنِ، ومَهْما بلَغَتْ مِنَ الجَحِيمِ فإِنَّها جَنَّةُ الكَافِرِ.
هذِهِ القِصَّةُ ذكَرَها العُلمَاءُ فِي تَرجَمَة ابْنِ حَجَرٍ ﵀، وَكَانَ ابْنُ حَجَرٍ قَاضِيَ القُضاةِ فِي مِصرَ، فمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَيتِهِ إِلَى مَقَرِّ عَمَلِهِ عَلَى العرَبَةِ، تجرُّها الخُيولُ، أَوْ البِغَالِ فِي مَرْكَبٍ، مَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ برَجُلٍ يَهودِيٍّ زياتٍ -يَعْنِي: يَبِيعُ الزَّيتَ- فاستَوْقَفَ اليَهودِيُّ قَاضِيَ القُضاةِ، وقَال لَهُ: إِنَّ نَبِيكُم يَقُولُ: "الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ" (^١) كَيفَ يَتَّفِقُ هَذَا مَعَ حَالِي وَحَالِكَ، أنْتَ الْآنَ فِي نَعِيمٍ تَجُرُّك الخُيولُ، ولَكَ جَاهٌ وشَرَفٌ ومَنزِلَةٌ، وهُوَ اليَهوديُّ بهَذَا الذُّلِّ، ثِيَابٌ وَسِخَةٌ وتَعَبٌ، فكَيفَ هَذَا؟ !
قَال: نَعَمْ، مَا أَنَا فِيهِ الْآنَ بالنِّسبَةِ لنَعِيمِ الجنَّة سِجْن، لأَنَّ نعِيمَ الجَنَّةِ أعْلَى وأعظَمُ مِنْ هَذَا، أمَّا بالنِّسبَةِ لَكَ فأنْتَ فِي جَنَّةٍ بالنِّسبَةِ لعَذَاب النَّارِ، لأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى اليَهودِيَّةِ فأَنْتَ فِي النَّارِ، ويعتبر مَا فِيهِ اليَهودِيُّ الآنَ: جَنَّةً، لأنَّ هذا اليَهودِيَّ فِيمَا يَبْدُو لِي -وَاللهُ أعلَمُ- أنَّهُ يَنشُدَ الحَقِيقَةَ، يُرِيدُ الحَقِيقَةَ، فلمَّا بيَّن لَهُ ابْنُ حَجَرٍ هَذَا قَال: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وأَنَّ محُمَّدًا رَسُولُ اللهِ (^٢).
سُبْحَانَ اللهِ! فالإنسَانُ العَاقِلُ الَّذِي يُرِيدُ الحَقيقَةَ لَاُ بدَّ أَنْ يَهتَدِيَ.
المُهمُّ: يقُولُ اللهُ ﷿ لمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الأشيَاءَ: ﴿لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيهَا يَظْهَرُونَ﴾ قَال: مَا هَذَا إلَّا متَاعُ الحيَاةِ الدُّنيَا.
انْظُرْ: مَتَاع كَالمتَاعِ يَحمِلُهُ المُسافِرُ ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ لأنَّ الدُّنيَا مَهْمَا طَالتْ بالإنْسَانِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الزَّوالِ، إمَّا أَنْ تَزُولَ الدُّنيَا عَنْهُ، وإمَّا أَنْ يَزُولَ هُوَ عَنِ الدُّنيَا، ولهَذَا قَال الشَّاعِرُ:
(^١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (٢٩٥٦)، من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٢) ذكر هذه القصة المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير (٣/ ٥٤٦).
1 / 144