109

Tafsir al-Uthaymeen: Az-Zukhruf

تفسير العثيمين: الزخرف

Daabacaha

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٣٦ هـ

Goobta Daabacaadda

المملكة العربية السعودية

Noocyada

وقَدْ ذَكَرَ اللهُ محُاجَّةَ إبرَاهِيمَ لأَبِيهِ فِي سُورَةِ مَرْيمَ عَلَى وَجْهٍ مَبسُوطٍ، وفِي غَيرِهَا عَلْى وَجْهٍ مُختَصَرٍ أحيانًا، ومُتوسِّطٍ أحيانًا، فجَرَتْ محُاورَةٌ بينَهُ وبَينَ أَبِيهِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فقَال ﷿: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١) إِذْ قَال لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيئًا﴾ إِنْ دَعوتَهُ لَمْ يَسمَعْكَ، وإِنْ وَافَقْتَهُ لَمْ يَرَكَ، وإِنِ استَعَنْتَ بِهِ لَمْ يَنفَعْكَ، ولَا يُغنِي عنْكَ شَيئًا ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ [مريم: ٤١ - ٤٣].
والخِطَابُ الْآنَ مَبنيٌّ عَلَى التَّرقِيق، والتَّلطِيفِ، والتَّنزُّل أمَامَ الأَبِ؛ قال: ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ ولَمْ يَقُلْ: يَا أَبتَي إنَّك جَاهِلٌ وأنَا عَالِم، بَلْ قَال: ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ وهَذَا مِنْ أَدَبِهِ ﵇، فقَد جَاءَهُ مِنَ العِلْمِ الوَحْيُ وأبُوهُ لَيسَ كذَلِكَ، جَاءَهُ مِنَ العِلْمِ التَّوحيدُ وأَبُوه لَيسَ كذَلِكَ.
فقَال: ﴿فَاتَّبِعْنِي﴾ الولَدُ يَقُوُل لأَبيهِ: (اتَّبِعْنِي)، لأَنَّ الابْنَ معَهُ حَقٌّ، والأَبُ لَيسَ كذَلِكَ ﴿أَهْدِكَ صِرَاطًا سَويًّا (٤٣) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيطَانَ إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ [مريم: ٤٣ - ٤٤] ﴿لَا تَعْبُدِ الشَّيطَانَ﴾ يَعْنِي: عِبَادَةَ الطَّاعَةِ، وكُلُّ مَنْ أَطَاعَ شَيئًا فقَدْ عبَدَهُ عَلَى حَسَبِ الحالِ ﴿إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ أَي: عَاصِيًا ﴿يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٤٥]، أَي: يُصيبَكَ ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيطَانِ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٤٥]، فجعَلَ وَلايتَهُ للشَّيطَانِ مِنَ العذَابِ، لأَنَّ إعْراضَ الإنسَانِ عَنِ الحَقِّ مُصيبَةٌ ببعْضِ الذُّنُوبِ، كَمَا قَال ﷿: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: ٤٩].
نحْنُ نظُنُّ أن العُقوبَاتِ هِيَ البَلاءُ يَنْزِل بالإنسَانِ مِنْ مرَضٍ وفَقْرٍ، ومَا أَشْبَهَ

1 / 113