المُراد بالكسر هنا الإهلاكُ عَلَى سبيل التحطيمِ، فالنَّمْلةُ إذا وَطئتها تَقَطَّعَتْ وتَمزَّقَتْ هَذَا هُوَ التكسُّر، وَلَيْسَ المَعْنى أن رِجلها تَنكسِر وتبقى معلَّقة بها، والجملة هَذِهِ كالتعليلِ للأمرِ فِي قولها: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾، يعني كَأنَّ قائلًا يَقُول: لماذا؟ ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ﴾، فالجملةُ تعليلٌ وتحذيرٌ، وهَذَا مِن بَلاغَتِها أيضًا، ما قالت: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ فقط، ولكِن عَيَّنَتِ المُحَذَّرَ منه وَهُوَ ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ﴾ ثُمَّ أتتْ بهَذِهِ الجملةِ الشديدةِ الوَقْعِ، لم تَقُلْ: لا يَطَأَنَّكُمْ، قالت: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾، فأيّهما أشدّ وقعًا؟
الأخيرةُ أشدُّ؛ لِأَنَّ الوطءَ قد يَلْزَمُ منه الكسرُ والإفلاتُ وقد لا يَلزَمُ، ثُمَّ الوطءُ هادئٌ بالنِّسْبَةِ لكلمةِ التحطيمِ.
وأيضًا قوله: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ أشدّ فِي الحَذَرِ وأبلغُ ممَّا لو قَالَ: (لَيُهْلِكَنَّكُمْ)، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ﴾ [الهمزة: ٥]، فالتحطيمُ أبلغُ.
وهل المقام يَقتضي أن تأتي بالعبارةِ الغليظةِ؟
نعم، لِأَنَّ المقامَ مَقامُ تحذيرٍ وسرعة، فإذا لم تفعل النملات هَذَا بسرعةٍ فإنها ستتحطم.
وهنا قالت: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ وقالت: ﴿ادْخُلُوا﴾، والتعبير بـ ﴿ادْخُلُوا﴾ و﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ بالميم هَذَا لا يَكُون إِلَّا للعاقلِ؛ لِأَنَّ الميم هَذِهِ لجماعة العقلاء، والواو أيضًا لجماعة العقلاء؛ لِأَنَّ غير العاقل يؤنَّث: ادخلنَ مساكنكنَّ، ولا يحطمنكنّ، ولَكِنَّهَا قالت: ﴿ادْخُلُوا﴾ و﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ تنزيلًا لهنَّ مَنْزِلَةَ العاقلِ، فخُوطِبُوا خِطابَ العقلاءِ، ولهَذَا قَالَ المُفَسِّر ﵀: [نزَّلَ النملَ مَنْزِلَةَ العقلاءِ فِي الخطابِ بِخِطَابِهِم].