المَدينة وهم ساكِنون فيها، فأَجرَى بينهم وبينه عَهْدًا، ولكنهم نقَضوا ذلك العهدَ، ولم يَبق إلَّا بنو قُرَيظةَ، ثُم إنَّ بني قُرَيظةَ نَقَضوا العهد بمُساعدةٍ مِن الأحزاب على رسول اللَّه ﷺ.
ولمَّا رجَع النبيّ ﵊ من الأحزاب ودخَل بَيْته واغتَسَل جاءَه جِبريلُ ﵇، وقال له: "اخْرُجْ لهِؤُلَاءِ" مُشيرَا إلى بني قُرَيظةَ فإنهم نقَضوا العهد، فرجَع، فأَمَر النبيُّ ﷺ أصحابه أمَرَهم بالخُروج وقال ﷺ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ" (^١)، فما تَوَانَى الصحابةُ ﵃ وما تَأخَّروا مع ما هم فيه من التعَب والضَّعْف، فخرَجوا فحاصَروا بني قُرَيظةَ لمُدَّة عِشْرين يومًا حتى نزَلوا على حُكْم سعدِ بنِ مُعاذ ﵁ (^٢).
وقوله ﷾: ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ جارٌّ ومجَرور مُتَعلِّق بـ (أنزَل) يَعنِي: أَنزَل هؤلاءِ من صَياصيهم أي: من مَآمِنهم، والأصل في صَياصي حَظائِر البقَر؛ لأنها تُؤمَّن فيها، فـ ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ يَعنِي: من مَآمِنهم وحُصونهم التي تَحصَّنوا فيها، ولكن ذلك لم يُغنِهم من اللَّه تعالى شيئًا.
وقوله تعالى: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ قذَف: بمَعنَى: رمَى، وهو أشدُّ وقعًا من قوله: وضَع، يَعنِي: لو قال: (وضَع في قُلوبِهم الرُّعْب) أَفاد أنَّ الرُّعْب قد صار
(^١) أخرجه البخاري: كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب، رقم (٩٤٦)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو، رقم (١٧٧٠) من حديث عبد اللَّه بن عمر ﵄. وعند مسلم: صلاة الظهر.
(^٢) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، رقم (٣٠٤٣)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصين على حكم حاكم عدل أهل للحكم، رقم (١٧٦٨)، من حديث أبي سعيد الخدري ﵁.