ولا يُقال: إن هذا فَتْحُ باب للعَصاة، فالعاصِي إذا قال له قائِل: اتَّقِ اللَّه تعالى اتْرُكِ المَعصية، اتَّقِ اللَّه تعالى أَقِمِ الواجِب. قال: التَّقوى هاهنا. ثُمَّ ضرَب على صَدْره ضربةً، التَّقوى هاهنا! فنَقول له: التَّقوى هاهنا صحيح، لكن هذه كلِمة حقٍّ أُريد بها باطِل، نَقول: لوِ اتَّقى ما هاهنا لاتَّقَى ما هاهنا؛ لقول الرسول ﵊: "إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ" (^١) لو صلَح ما هاهنا لصلَح الظاهِر.
فالحاصِل: أن هذه الآيةَ واضِحة، الدَّليلُ فيها دليل واضِح على أنَّ الأعمال تتَفَاضَل بِحَسَب ما في القلوب من الإيمان، والشاهِد من الحديث هو قول النبيِّ ﷺ للصحابة ﵃: "لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ".
فإن قال قائِل: مُدَّ أحَدهم من الذهَب أو مُدَّ أحَدِهم من الطعام؟
فالجَوابُ: يُحتَمَل؛ فبعضُهم يَقول: مُدَّ أحَدهم من الطَّعام؛ لأنه هو الذي جرَتِ العادة أن يُكال. يَعنِي: لو أَنفَق أحدُكم مثل أحُدٍ ذهَبًا ما بلَغ مُدَّ واحِد منهم من التَّمْر؛ لأنه هو الذي يُكال عادةً، وبعضُهم يَقول: ما بلَغَ مُدَّ أحدِهم من الذهَب؛ لأن التَّفاضُل بين الطعام والذهَب بَعيدٌ، لكن التَّفاضُل بين الذهَب القليل والذهَب الكثير.
* * *
(^١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشير ﵄.