انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا
[الإسراء: 21]. الجنات نفسها متنوعة.
. فهناك جنات الفردوس، وجنات عدن، وجنات نعيم، وهناك دار الخلد، ودار السلام، وجنة المأوى.. وهناك عليون الذي هو أعلى وأفضل الجنات، وأعلى ما فيها التمتع برؤية الحق تبارك وتعالى.. وهو نعيم يعلو كثيرا عن أي نعيم في الطعام والشراب في الدنيا. والطعام والشراب بالنسبة لأهل الجنة لا يكون عن جوع أو ظمأ، وإنما عن مجرد الرغبة والتمتع. والله جل جلاله في هذه الآية يعد بأمر غيبي، ولذلك فإنه لكي يقرب المعنى إلى ذهن البشر لابد من استخدام ألفاظ مشهودة وموجودة أي: عن واقع نشهده. واقرأ، قوله تبارك وتعالى:
فلا تعلم نفس مآ أخفي لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعملون
[السجدة: 17]. إذن: ما هو موجود في الجنة لا تعلمه نفس في الدنيا.. ولا يوجد لفظ في اللغة يعبر عنه، ولا ملكة من ملكات المعرفة كالسمع والنظر قد رأته، ولذلك استخدم الحق تبارك وتعالى الألفاظ التي تتناسب مع عقولنا وإدراكنا.. فقال تعالى: { جنات تجري من تحتها الأنهار.. } [البقرة: 25]. على أن هناك آيات أخرى تقول:
تجري من تحتها الأنهار..
[التوبة: 100] ما الفرق بين الاثنين؟ قوله تعالى:
تجري من تحتها الأنهار..
[التوبة: 100] أي: أن نبع الماء من مكان بعيد وهو يمر من تحتها.. أما قوله تعالى: { من تحتها الأنهار.. } [البقرة: 25] فكأن الأنهار تنبع تحتها.. حتى لا يخاف إنسان من أن الماء الذي يأتي من بعيد يقطع عنه أو يجف.. وهذه زيادة لاطمئنان المؤمنين أن نعيم الجنة باق وخالد. وما دام هناك ماء، فهناك خضرة ومنظر جميل ولابد أن يكون هناك ثمر.. وفي قوله تعالى: { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها.. } [البقرة: 25]. حديث عن ثمر الجنة.. وثمر الجنة يختلف عن ثمر الدنيا.. إنك في الدنيا لابد أن تذهب إلى الثمرة وتأتي بها أو يأتيك غيرك بها.. ولكن في الجنة الثمر هو الذي يأتي إليك، بمجرد أن تشتهيه تجده في يدك.. وتعتقد أن هناك تشابها بين ثمر الدنيا وثمر الجنة.. ولكن الثمر في الجنة ليس كثمر الدنيا، لا في طعمه ولا في رائحته.. وإنما يرى أهل الجنة ثمرها، ويتحدثون ويقولون ربما تكون هذه الثمرة هي ثمرة المانجو أو التين الذي أكلناه في الدنيا، ولكنها في الحقيقة تختلف تماما.. قد يكون الشكل متشابها ولكن الطعم وكل شيء مختلف. في الدنيا كل طعام له فضلات يخرجها الإنسان.. ولكن في الآخرة لا يوجد لطعام فضلات، بل إن الإنسان يأكل كما يشاء دون أن يحتاج إلى إخراج فضلات، وذلك لاختلاف ثمار الدنيا عن الآخرة في التكوين. إذن، ففي الجنة الأنهار مختلفة والثمار مختلفة، والجنة يكون الرزق فيها من الله سبحانه وتعالى الذي يقول " للشيء كن فيكون ".
. ولا أحد يقوم بعمل. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: { ولهم فيهآ أزواج مطهرة وهم فيها خالدون } [البقرة: 25]. الزوجة هي متعة الإنسان في الدنيا إن كانت صالحة، والمنغصة عليه إن كانت غير صالحة، وهناك منغصات تستطيع أن تضعها المرأة في حياة زوجها تجعله شقيا في حياته.. كأن تكون سليطة اللسان أو دائمة الشجار.. أو لا تعطي اهتماما لزوجها أو تحاول إثارته بأن تجعله يشك فيها.. أما في الآخرة كل هذه المنغصات تزول بأمر الله. فالزوجة في الآخرة مطهرة من كل ما يكرهه الزوج فيها، وما لم يحبه في الدنيا يختفي. فالمؤمنون في الآخرة مطهرون من كل نقائص الدنيا ومتاعبها وأولها الغل والحقد.. واقرأ قوله جل جلاله:
Bog aan la aqoon