140

Tafsir Al-Sha'rawi

تفسير الشعراوي

Noocyada

. إنه أول من يعلم كذب ما يقول، وقد يكون له حجة ويقنع من أمامه فيصدقه، ولكنه يظل يعلم إن ما قاله مختلق رغم أنهم صدقوه.. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها "

إذن مختلق الشيء يعرف إن هذا الشيء مختلق. وهؤلاء اليهود هم أول من يعلمون أن قولهم.. { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } [البقرة: 80] قول مختلق.. ولكن لمن يقولون على الله ما هو افتراء وكذب؟ يقولون للأميين الذين لا يعرفون الكتاب.

[2.81]

أراد الله سبحانه وتعالى أن يوضح كذبهم.. فجاء القرآن قائلا: " بلى " وهي حرف جواب مثل نعم تماما.. ولكن " بلى " حرف جواب في النفي.. يعني ينفي الذي قبله.. هم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ورسول الله سألهم هل اتخذوا عند الله عهدا أو يقولون على الله ما لا يعلمون، فجاء القرآن ليقول: { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 81].. بداية الجواب ببلى تنفي ما قالوا.. لأن بلى تأتي بعد النفي.. ونعم تأتي بعد الإجابة.. فإذا قال إنسان ليس لك عندي شيء وقلت نعم، فمعناها أنه صحيح أنك ليس لك عندي شيء.. أما إذا قلت بلى، فمعنى ذلك أن لك عندي شيئا أو أشياء.. ولذلك بعد قولهم

لن تمسنا النار إلا أياما معدودة

[البقرة: 80].. لو جاء بعدها نعم، لكان قولهم صحيحا، ولكن بلى نفت.. وجاء الكلام بعدها مؤكدا النفي: { من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 81] هم قالوا لن تمسنا النار.. قال لن تمسكم فقط بل أنتم فيها خالدون.. وقوله تعالى: { أصحاب النار } [البقرة: 81].. الصحبة تقتضي نوعا من الملازمة فيها تجاذب المتصاحبين.. ومعنى ذلك أنه سيكون هناك تجاذب بينهم وبين النار.. هنا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: { بلى من كسب سيئة } [البقرة: 81].. وكان السياق يقتضي أن يقال اكتسب.. ولكن لأنهم ظنوا أنهم كسبوا.. كما بينا في الآية السابقة.. وقوله تعالى: { وأحاطت به خطيئته } [البقرة: 81].. إحاطة بحيث لا يوجد منفذ للإفلات من الخطيئة لأنها محيطة به. وأنسب تفسير لقوله تعالى: { كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } [البقرة: 81].. أن المراد الشرك.. لأن الشرك هو الذي يحيط بالإنسان ولا مغفرة فيه.. والله تعالى يقول:

إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء..

[النساء: 48]. ولذلك فهؤلاء لم يكونوا عصاة فقط.. ولكنهم كانوا كافرين مشركين والدليل قوله تعالى: { هم فيها خالدون } [البقرة: 81].. وأصحاب الصغائر أو الكبائر الذين يتوبون منها لا يخلدون في النار.. ولكن المشرك بالله والكافر به هم الخالدون في النار.. وكل من لم يؤمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كافر.. لأن الله سبحانه وتعالى قال:

ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين

Bog aan la aqoon