104

Tafsir Al-Sha'rawi

تفسير الشعراوي

Noocyada

وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم..

[الأعراف: 141]. وقوله جل جلاله في سورة إبراهيم:

إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم..

[إبراهيم: 6]. الاختلاف بين الأولى والثانية هو قوله تعالى في الآية الأولى: { يذبحون أبنآءكم }. وفي الثانية: { يقتلون أبنآءكم }. " ونجينا " في الآية الأولى، " وأنجينا " في الآية الثانية. ما الفرق بين نجينا وأنجينا؟ هذا هو الخلاف الذي يستحق أن تتوقف عنده.. في سورة البقرة: { وإذ نجيناكم من آل فرعون }.. الكلام هنا من الله.. أما في سورة إبراهيم فنجد

اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم

[إبراهيم: 6]. الكلام هنا كلام موسى عليه السلام. ما الفرق بين كلام الله سبحانه وتعالى وكلام موسى؟. إن كلام موسى يحكي عن كلام الله. إن الله سبحانه وتعالى حين يمتن على عباده يمتن عليهم بقمم النعمة، ولا يمتن بالنعم الصغيرة. والله تبارك وتعالى حين امتن على بني إسرائيل قال: { وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم } [البقرة: 49]. ولم يتكلم عن العذاب الذي كان يلاقيه قوم موسى من آل فرعون. إنهم كانوا يأخذونهم أجراء في الأرض ليحرثوا وفي الجبال لينحتوا الحجر وفي المنازل ليخدموا. ومن ليس له عمل يفرضون عليه الجزية. ولذلك كان اليهود يمكرون ويسيرون بملابس قديمة حتى يتهاون فرعون في أخذ الجزية منهم. وهذا معنى قول الحق سبحانه وتعالى:

وضربت عليهم الذلة والمسكنة..

[البقرة: 61]. أي أنهم يتمسكنون ويظهرون الذلة حتى لا يدفعوا الجزية. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يمتن عليهم بأنه أنجاهم من كل هذا العذاب. بل يمتن عليهم بقمة النعمة. وهي نجاة الأبناء من الذبح واستحياء النساء لأنهم في هذه الحالة ستستذل نساؤهم ورجالهم. فالمرأة لا تجد رجلا يحميها وتنحرف.

كلمة نجى وكلمة أنجى بينهما فرق كبير. كلمة نجى تكون وقت نزول العذاب. وكلمة أنجى يمنع عنهم العذاب. الأولى للتخليص من العذاب والثانية يبعد عنهم عذاب فرعون نهائيا. ففضل الله عليهم كان على مرحلتين. مرحلة أنه خلصهم من عذاب واقع عليهم. والمرحلة الثانية أنه أبعدهم عن آل فرعون فمنع عنهم العذاب. قوله تعالى: { يسومونكم سوء العذاب } [البقرة: 49] ما هو السوء؟ إنه المشتمل على ألوان شتى من العذاب كالجلد والسخرة والعمل بالأشغال الشاقة. ما معنى يسوم؟ يقال سام فلان خصمه أي أذله وأعنته وأرهقه. وسام مأخوذة من سام الماشية نتركها ترعى. لذلك سميت بالسام أي المتروكة. وعندما يقال إن فرعون يسوم بني إسرائيل سوء العذاب. معناها أن كل حياتهم ذل وعذاب.. فتجد أن الله سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن حكام مصر من الفراعنة يتكلم عن فراعنة قدماء كانوا في عهد عاد وعهد ثمود. واقرأ قوله تعالى:

والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * واليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذى حجر * ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذى الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد

Bog aan la aqoon