141

Tafsir al-Quran al-Thari al-Jami'

تفسير القرآن الثري الجامع

Noocyada

سورة البقرة [٢: ١٣٠]
﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِى الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾:
﴿وَمَنْ﴾: الواو؛ استئنافية. من: استفهام إنكاري، بمعنى النفي؛ أي: لا ﴿يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾.
يرغب في الشيء؛ أي: إذا أحبه، وأراده، يرغب عن الشيء؛ أي: إذا كرهه، وتركه، يعرض عنه، ويرفضه، أو يصد عنه.
﴿مِلَّةِ إِبْرَاهِمَ﴾: شريعة إبراهيم، والملَّة؛ اسم لجملة الشرائع المتبعة في الدِّين، والشريعة الكاملة؛ تسمّى الملَّة، والملَّة لا تضاف إلَّا لنبيٍّ.
أما الدِّين: فهو أعم من الملَّة؛ إذ يشمل الشريعة كاملة، وما ورد في القرآن والسنة، وملة إبراهيم؛ هي الإسلام، الملَّة الحنيفية السمحة، والّتي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [الأنعام: ١٦١]. ارجع إلى الآية (١٣٢) من نفس السورة لمزيد من البيان.
﴿إِلَّا﴾: أداة حصر.
﴿سَفِهَ نَفْسَهُ﴾: أصل السفه؛ الخفة في العقل، وضعف الرأي والجهل، والسفه؛ نقيض الحكمة، ويقال للجاهل: سفيه. وسفه نفسه قد تعني: استخف بنفسه، وأهان نفسه؛ لأنه رغب عن اتباع الحق، وهو اتباع ملَّة إبراهيم.
والطيش: خفة مع خطأ في العقل. وإذا رغب عمّا لا يرغب عنه عاقل، يقال: في عقله شيء، من السفه أو الجنون.
﴿وَلَقَدِ﴾: الواو استئنافية. لقد: اللام للتوكيد، قد حرف تحقيق.
﴿اصْطَفَيْنَاهُ فِى الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾: ﴿اصْطَفَيْنَاهُ﴾: في ذلك الوقت، الذي عاش فيه. كما اصطفى آدم ونوحًا من قبله.
وهو بيان لخطأ من رغب عن ملَّة إبراهيم، الذي اصطفيناه في الدّنيا؛ أي: اخترناه من بين النّاس، ليكون إمامًا، ونبيًا.
وخليلًا: في الدّنيا، وهناك فرق بين الاصطفاء والاختيار في ملحق الآية، ﴿وَإِنَّهُ فِى الْآخِرَةِ﴾ (إن للتوكيد) في الآخرة، ﴿لَمِنَ﴾: اللام للتوكيد. ﴿الصَّالِحِينَ﴾: أي: إبراهيم ﵇ من الأنبياء الصالحين.
﴿الصَّالِحِينَ﴾: جمع صالح، والصالحين لغةً: من صلح، يصلح، وصلح أمره أو حاله: صار حسنًا، وزال عنه الفساد؛ عَفَّ، فَضُل، من أمن وعمل صالحًا (معجم المعاني الجامع)، والصلاح: الاستقامة والسلامة من العيب، والصالح المستقيم المؤدي لواجباته، وهو الذي قام بحق وحق العباد، والمؤهل لحمل الخلافة الإيمانية، ويمتاز بصفة الصلاح في العقيدة، والأخلاق، والسلوك، والتربية، ويقاوم الفساد الذي هو ضد الصلاح.
الاصطفاء: هو الاختيار من بين الأشياء المتشابهة، مثلًا: تختار من بين النّاس أحدًا فيهم نبيًا، أو رسولًا.
الاختيار: هو أن تختار من بين الأشياء غير المتشابهة، مثلًا: تختار قلمًا من بين ورقة، وكتاب، وقلم، ومحبرة.

1 / 137