Tafsir Al-Quran Al-Karim - Osama Suleiman
تفسير القرآن الكريم - أسامة سليمان
Noocyada
من مواقف النبي ﷺ في اللين والرفق
هيا بنا ننظر في سيرة النبي ﵊ في مواقفه في جانب اللين ومواقفه في جانب الشدة.
أولًا: جاء في الحديث: (مر ﷺ على قبر فوجد عنده امرأة تبكي، فقال لها: اصبري واحتسبي، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي).
(وإليك عني) كلمة زجر وردع، (فتركها النبي ﷺ، فلما أخبرت المرأة أن الذي حدثها هو النبي ﵊ جاءها مثل الموت وأصيبت بدهشة، وأسرعت إلى بيت النبي ﵊، فلم تجد بوابين على باب داره).
فلم يكن يمنع نفسه ﵊ عن الناس؛ حتى يظهر تحقيق الشخصية، ويقف من يريد ساعة، وبعد الساعة يستأذن ثم يدخل، (فلما أخبرته أنها ما عرفته، قال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
ففي هذا النص استخدم النبي ﷺ اللين في معاملة المرأة.
ثانيًا: في حديث الرجل الذي وقع على امرأته في نهار رمضان وهو صائم، فذهب إلى قومه وقال: هلكت، فاذهبوا معي إلى رسول الله ﷺ، فقالوا له: اذهب وحدك؛ فإنا نخشى أن ينزل فينا قرآن يفضحنا، وأبوا أن يذهبوا معه، فذهب الرجل إلى النبي ﵊ وأخبره بما عمل، فقال له النبي ﷺ: (اعتق رقبة، فأمسك الرجل برقبته وقال: ليس لي إلا هذه يا رسول الله! قال: صم شهرين متتابعين، قال: يا رسول الله! وهل فعل بي ذلك إلا الصوم)، أي: إني لم أطق أن أبعد عن زوجتي يومًا، فكيف أبتعد عنها شهرين متتابعين؟ (قال له: أطعم ستين مسكينًا، قال: ليس في بيوت المدينة من هو أفقر مني، فأمره أن يذهب إلى قومه، وأن يقبل منهم الصدقة، وأن يطعمها أهله وزوجته).
ولم يعنفه في القول.
ثالثًا: في حديث آخر: (دخل عليه شاب وقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا).
ولو جاء أحد الشباب إلى علمائنا اليوم أو إلى طلبة العلم وقال له: هل لي رخصة أن أزني؟ فماذا ستكون الإجابة؟ فانظروا إلى لين ورفق النبي محمد ﷺ، أجلس الشاب، ثم خاطبه بلغة الشرع والعقل، وقال له: (أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟ لخالتك؟ لعمتك؟ ثم مسح على صدره ودعا له ﷺ، يقول الشاب: فخرجت من عند رسول الله وأبغض شيء إلى قلبي هو الزنا).
هذه هي معاملة اللين والرفق، (ما كان اللين في شيء إلا زانه).
والدعوة بالعنف لا تولد شيئًا نافعًا.
رابعًا: حديث الأعرابي كما في سنن أبي داود يدل على أنه ينبغي أن نرفق بالجاهل عند تعلمه، ففي الحديث: (أن أعرابيًا بال في زاوية من زوايا المسجد).
فقد ترك المكان المعد للتبول وبال في زاوية من زوايا المسجد، قلت في نفسي: لو وقع هذا في أحد مساجدنا لضرب من فعله بالنعال، وقد يحمل إلى المقبرة، أما النبي ﷺ فقال: (دعوه، لا تقطعوا عليه البول، ثم أريقوا عليه ذنوبًا من ماء، أو سجلًا من ماء).
يقول ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث: انظروا إلى رفق رسول الله ﷺ، ولو قطع الصحابة على الرجل بوله لجرى أمامهم وسعى، فبدلًا من أن يصيب موضع واحد بالنجاسة لأصاب كل المسجد، ولو حبس البول في داخله لأصيب هو بالأذى.
وجاء في بعض الروايات: (أن الرجل خرج إلى خارج المسجد وهو يقول: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد سوانا، فقال له النبي ﷺ: لقد حجرت واسعًا).
خامسًا: حديث عمر بن أبي سلمة: (أنه كان يأكل مع رسول الله ﵊ فطاشت يده في الصحفة -أي: أنه كان يأكل من جوانب الصحفة الأربع- فنظر إليه النبي ﷺ وقال: يا غلام! ادنه، وكل وسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، يقول عمر: فما زالت تلك طعمتي بعد).
سادسًا: في فتح مكة قال ﷺ: (ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).
سابعًا: حديث معاوية بن الحكم كما عند مسلم: لما كان يصلي خلف النبي ﵊ فعطس رجل بجواره فقال له: يرحمك الله، فلم يجبه الرجل، ونظر الصحابة إليه يكادون يسطون عليه سطوًا، ثم بعد الصلاة قربه النبي ﷺ، يقول معاوية ﵁: (والله ما وجدت معلمًا كرسول الله ﵊، والله ما كهرني -أي: ما قهرني- وما سبني، وما شتمني، وما غلظ لي في القول، وإنما قال لي: تلك صلاة لا يصلح فيها إلا ذكر الله وكذا وكذا).
علمه برفق وهكذا كانت حياة النبي ﷺ حينما يرسل أصحابه يأمرهم بالرفق بالجاهل، واستخدام اللين في موضعه.
ولذلك جاء في الأثر: أن
10 / 4