Tafsir Al-Muntasir Al-Kattani
تفسير المنتصر الكتاني
Noocyada
تفسير قوله تعالى: (فوربك لنحشرنهم والشياطين)
قال الله ﷻ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريم:٦٨ - ٧٠].
كنا مع الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، وما أعد الله لهم من جنان وخيرات ونعيم ورضوان، وهانحن أولاء مع من أنذروا بكفرهم وخروجهم عن أمر الله، وهكذا فإن الله ﷻ في كتابه الكريم يقابل بين نذارة وبشارة، كما هي وظائف الأنبياء فإنهم يبشرون الصالحين بالجنة والرضا، وينذرون الطالحين بالسعير والغضب من الله.
يقول ﷻ عن هؤلاء الذين عصوا وتمردوا وكفروا وأشركوا ويقسم الله بذاته العلية: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ﴾ [مريم:٦٨] أي: بعد أن يلعنهم ويبعثهم ويجدوا أنفسهم في يوم القيامة مع الشياطين الذين عبدوهم واتبعوهم في دار الدنيا، يحشرهم جميعًا إليه ويقذفهم في النار.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ [مريم:٦٨] أي: ثم ليكونن حاضرين موجودين مقيمين حول جهنم جثيًا، والجثي: جمع جاث، وهو الواقف على ركبتيه؛ زيادة في الذل والهوان مع الازدحام الشديد من أهل النار، فلا يكادون يجدون مكانًا للجلوس إلا ما كان من الوقوف على الركب.
قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم:٦٩].
وبعد أن يحشر الله الكفرة الظالمين أئمةً وتابعين، يجمع الأئمة وينزعهم من بين أتباعهم، كما قال: ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ﴾ [مريم:٦٩]، أي: يزيل هؤلاء الأئمة الذين كانوا يصدون عن سبيل الله، وكانوا يدعون للشرك والضلال، وكانوا يصدون عن النبوءات والرسالات، فينزعهم من بين جموعهم وأتباعهم.
قال: ﴿مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ﴾ [مريم:٦٩] أي: من كل أمة، أو من كل طائفة أو جماعة.
قال: ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم:٦٩]، (أيهم) هنا بمعنى: الذي، فهي تعامل معاملتها في أنها تبقى مبنية لا ترفع ولا تنصب ولا تجر، فتقول: رأيت أيُّهم أعلى مقامًا، ومررت بأيُّهم أحسن علمًا، وجاء أيُّهم أرفع شأنًا؛ حتى ضرب بها المثل فقيل في النحو: أي كذا خلقت، أي: خلقت مبنية على الضم أبدًا، فلا تؤثر فيها المؤثرات من الإعراب.
قوله: ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم:٦٩] أي: أكثرهم ظلمًا وطغيانًا وعتوًا وفسادًا في الأرض، فهؤلاء يجمعهم الله ليكون عذابهم أشد ومحنتهم أنكى، فيتحملون عذابهم وعذاب أتباعهم بحيث لا ينقص من عذاب أتباعهم شيء.
فقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾ [مريم:٦٩] أي: ثم يخلع الله وينزع من كان أشد عتوًا وظلمًا وكفرًا وغلوًا من بين أتباعه، ليكون مزيد العذاب له؛ جزاء كفره وإمامته في الكفر، قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة:١٢]، وهكذا نبه الله على قتالهم بالذات.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريم:٧٠] أي: أعلم منك يا محمد! وأعلم من الخلق كلهم بمن يستحق العذاب والحريق والغضب واللعنة، قال: ﴿بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريم:٧٠] أي: حريقًا، وصلي جمع: صالٍ، أي: محترق في النار، وهو من التصلية أي: التحرقة بالنار، إذ تصلى وتشتعل وتلتهب، ويكون هو وقودها وأعوادها وفحمها.
فقوله: ﴿هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريم:٧٠] أي: أولى بالنار من غيرهم؛ لشدة كفرهم وطغيانهم وتعديهم، ولشدة صدهم عن الله ورسالاته، فهؤلاء يكونون في قعر جهنم وينالون من العذاب ما لم ينله أحد، إذ يُزاد في عذابهم لإمامتهم وكفرهم، وبعدهم عن الله ورسالاته.
29 / 2