Tafsir al-Baydawi
تفسير البيضاوى
Tifaftire
محمد عبد الرحمن المرعشلي
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٨ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
ﷺ فإنه خصه بالدعوة العامة والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرة، والآيات المتعاقبة بتعاقب الدهر، والفضائل العلمية والعملية الفائتة للحصر. والإبهام لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن التعيين. وقيل: إبراهيم ﵇ خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب. وقيل: إدريس ﵇ لقوله تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا. وقيل: أُوْلُو العزم مِنَ الرسل. وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ خصه بالتعيين لإفراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه، وجعل معجزاته سبب تفضيله لأنها آيات واضحة ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ أي هدى الناس جميعًا. مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد الرسل. مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي المعجزات الواضحة لاختلافهم في الدين، وتضليل بعضهم بعضًا. وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بتوفيقه التزام دين الأنبياء تفضلًا. وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ لإِعراضه عنه بخذلانه. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا كرره للتأكيد. وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ فيوفق من يشاء فضلًا، ويُخذل من يشاء عدلًا. والآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متفاوتة الأقدام، وأنه يجوز تفضيل بعضهم على بعض، ولكن بقاطع لأن اعتبار الظن فيما يتعلق بالعمل وأن الحوادث بيد الله ﷾ تابعة لمشيئته خيرًا كان أو شرًا إيمانًا أو كفرا.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٥٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ ما أوجبت عليكم إنفاقه. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ من قبل أن يأتى يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فرطتم، والخلاص من عذابه إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقونه، أو تفتدون به من العذاب ولا خلة حتى يعينكم عليه أخلاؤكم أو يسامحوكم به ولا شفاعة إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم، وإنما رفعت ثلاثتها مع قصد التعميم لأنها في التقدير جواب: هل فيه بيع؟ أو خلة؟ أو شفاعة؟ وقد فتحها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب على الأصل. وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ يريد والتاركون للزكاة هم ظالمون الذين ظلموا أنفسهم، أو وضعوا المال في غيره موضعه وصرفوه على غير وجهه، فوضع الكافرون موضعه تغليظًا لهم وتهديدًا كقوله: ومَنْ كَفَرَ مكان ومن لم يحج وإيذانًا بأن ترك الزكاة من صفات الكفار لقوله تعالى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٥٥]
اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)
اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لا غيره. وللنحاة خلاف في أنه هل يضمر للأخير مثل في الوجود أو يصح أن يوجد. الْحَيُّ الذي يصح أن يعلم ويقدر وكل ما يصح له فهو واجب لا يزول لامتناعه عن القوة والإِمكان. الْقَيُّومُ الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه فيعول من قام بالأمر إذا حفظه، وقرئ «القيام» و«القيم» . لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ السنة فتور يتقدم النوم قال ابن الرقاع:
وَسَنانٌ أَقْصَدَهُ النَّعَاسُ فَرَنَّقَت ... في عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيسَ بِنَائِمٍ
والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأسًا، وتقديم السنة عليه وقياس المبالغة عكسه على ترتيب الوجود، والجملة
1 / 153