Tafsir al-Baghawi - Revival of Heritage
تفسير البغوي - إحياء التراث
Baare
عبد الرزاق المهدي
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٠ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٠ الى ١٤]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شَكٌّ وَنِفَاقٌ، وأصل المرض الضعف، سمي الشَّكُّ فِي الدِّينِ [١] مَرَضًا لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الدِّينَ كَالْمَرَضِ يُضْعِفُ الْبَدَنَ، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا، لِأَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ تَنْزِلُ تَتْرَى آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، كُلَّمَا كَفَرُوا بِآيَةٍ ازْدَادُوا كُفْرًا وَنِفَاقًا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: ١٢٥]، قرأ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ فَزادَهُمُ، بِالْإِمَالَةِ، وَزَادَ حَمْزَةُ إِمَالَةَ (زَادَ) حَيْثُ وقع، (وزاغ، وخاب، وخاف، وحاق، وضاق، وطاب)، وَالْآخَرُونَ لَا يُمِيلُونَهَا، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مُؤْلِمٌ يَخْلُصُ وَجَعُهُ إِلَى قُلُوبِهِمْ، بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [مَا لِلْمَصْدَرِ، أَيْ: بِتَكْذِيبِهِمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي السِّرِّ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ] [٢] يَكْذِبُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: بِكَذِبِهِمْ إِذْ قَالُوا: آمَنَّا وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ قرأ الكسائي (قيل، وغيض، وجيء، وحيل، وسيق، وسيئت) بروم أوائلهن الضم، ووافق أهل المدينة في (سيئ، وسيئت) وَوَافَقَ ابْنَ عَامِرٍ فِي (سِيقَ، وحيل، وسيء، وَسِيئَتْ)، لِأَنَّ أَصْلَهَا قُوِلَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، مِثْلَ قُتِلَ، وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهِ، فَأُشِيرَ إِلَى الضَّمَّةِ لِتَكُونَ دَالَّةً عَلَى الْوَاوِ المنقلبة، و[قرأ] [٣] الْبَاقُونَ بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، اسْتَثْقَلُوا الْحَرَكَةَ عَلَى الْوَاوِ، فَنَقَلُوا كَسْرَتَهَا إِلَى فَاءِ الْفِعْلِ وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لكسر مَا قَبْلَهَا.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: يَعْنِي لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: لِلْيَهُودِ، أَيْ: قَالَ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، بِالْكُفْرِ وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا، وَالْكُفْرُ أَشَدُّ فَسَادًا فِي الدِّينِ، قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ: يَقُولُونَ [٤] هَذَا الْقَوْلَ كَذِبًا كَقَوْلِهِمْ آمَنَّا وَهُمْ كَاذِبُونَ.
أَلا: كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ يُنَبَّهُ بِهَا الْمُخَاطَبُ، إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ، وَالنَّاسَ بِالتَّعْوِيقِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ، لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِبِطَانِ الْكُفْرِ صَلَاحٌ، وَقِيلَ: لَا يَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَيْ: لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: لِلْيَهُودِ، آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: كَمَا آمَنَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَيِ: الْجُهَّالُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ النِّفَاقُ مَعَ الْمُجَاهَرَةِ بِقَوْلِهِمْ: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟ قِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ، أنهم كذلك، والسفيه خَفِيفُ الْعَقْلِ رَقِيقُ الْحِلْمِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَوْبٌ سَفِيهٌ أَيْ: رَقِيقٌ، وقيل: السفيه: الكذاب الذي [يعمل] [٥] بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ.
قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ السُّفَهاءُ أَلا بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ وَقَعَتَا في كلمتين
(١) في المطبوع «الدنيا» . (٢) سقط من المخطوط. (٣) زيادة عن المخطوط. (٤) في المطبوع «يقول» . (٥) في المطبوع «يتعمد» .
1 / 88