150

Irshad Caql Salim

تفسير أبي السعود

Daabacaha

دار إحياء التراث العربي

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Fasiraadda
البقرة (١٢٠ - ١١٩) وأكثرُ أهل التفسير هم مشركو العربِ لقوله تعالى ﴿فليأتنا بآية كَمَا أرسل الأولون﴾ وقالوا ﴿لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا﴾ ﴿لَوْلاَ يُكَلّمُنَا الله﴾ أي هلا يكلمُنا بلا واسطة أمرًا أو نهيًا كما يكلم الملائكةَ أو هلا يكلمنا نتصيصا على نُبوَّتِك ﴿أو تأتينا آية﴾ حجةٌ تدل على صدقك بلغوا من العُتوِّ والاستكبارِ إلى حيثُ أمَّلوا نيلَ مرتبةِ المفاوضةِ الإلهيةِ من غير توسط الرسولِ والملَك ومن العنادِ والمكابرة إلى حيث لم يعُدّوا ما آتاهم من البينات الباهرة التي تخِرُّ لها صُمُّ الجبال من قَبيل الآيات قاتلهم الله أنَّي يُؤفكون ﴿كَذَلِكِ﴾ مثلَ ذلكَ القولِ الشنيعِ الصادرِ عن العِناد والفساد ﴿قَالَ الذين مِن قَبْلِهِم﴾ من الأمم الماضية ﴿مِّثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ هذا الباطلِ الشنيعِ فقالوا ﴿أَرِنَا الله جهرة﴾ قالوا ﴿لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد﴾ الآية وقالوا هَلْ يستطيع ربك الخ قالوا اجْعَلْ لَّنَا إِلَهًا الخ ﴿تشابهت قُلُوبُهُمْ﴾ أي قلوبُ هؤلاءِ وأولئك في العمى والعِناد وإلا لما تشابهت أقاويلُهم الباطلة ﴿قَدْ بَيَّنَّا الآيات﴾ أي نزلناها بينةً بأن جعلناها كذلك في أنفسِها كما في قولِهم سبحانَ من صغر البغوض وكبَّر الفيلَ لا أنا بيناها بعد أن لم تكن بينةً ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي يطلُبون اليقين ويوقنون بالحقائق لا يعتريهم شُبهةٌ ولا رِيبة وهذا ردٌّ لطلبهم الآيةَ وفي تعريف الآيات وجمعها وإيراد التبيين المُفصِح عن كمال التوضيح مكانَ الإتيان الذي طلبوه ما لا يَخفْى من الجزالة والمعنى أنهم اقترحوا آيةً فذَّةً ونحن قد بينا الآياتِ العظامَ لقوم يطلُبون الحقَّ واليقين وإنما لم يُتعرَّضْ لرد قولِهم لَوْلاَ يُكَلّمُنَا الله إيذانا بأنه من ظهور البطلانِ بحيث لا حاجة إلى الرد والجواب
﴿إِنَّا أرسلناك بالحق﴾ أي متلبسا بالقرآن كما في قوله تعالى ﴿كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَاءهُمْ﴾ أو بالصدق كما في قوله تعالى ﴿أَحَق هو﴾ وقولُه تعالى ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ حال من مفعول باعتبار تقييدِه بالحال الأولى أي أرسلناك متلبسا بالقرآن حالَ كونك بشيرًا لمن آمن بما أُنزِل عليك وعمِل به ونذيرًا لمن كفَر به أو أرسلناك صادقًا حال كونِك بشيرًا لمن صدّقك بالثواب ونذيرًا لمن كذّبك بالعذاب ليختاروا لأنفسهم ما أحبّوا لا قاسرَ لهم على الإيمان فلا عليك إنْ أصروا وكابروا ﴿ولا تسأل عَنْ أصحاب الجحيم﴾ ما لهم لم يؤمنوا بعد ما بلّغْتَ ما أُرسلتَ به وقرئ لن تسأل وما تسأل وقرئ لا تَسْألْ على صيغة النهي إيذانًا بكمال شدةِ عقوبةِ الكفار وتهويلًا لها كأنها لغاية فظاعتها لا يقدِرُ المخبِرُ على إجرائها على لسانه أو لا يستطيع السامعُ أن يسمع خبرَها وحملُه على نهي النبيِّ ﷺ عن السؤال عن حال أبويه مما لايساعده النظمُ الكريمُ والجحيمُ المتأججُ من النار وفي التعبير عنهم بصاحبية الجحيم دون الكفر والتكذيب ونحوهما وعيدٌ شديد لهم وإيذانٌ بأنهم مطبوعٌ عليهم لا يرجى منهم الإيمانُ قطعًا وقوله تعالى
﴿وَلَن ترضى عَنكَ اليهود وَلاَ النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ بيانٌ لكمال شدةِ شكيمةِ هاتين الطائفتين خاصة إثْرَ بيانِ ما يعُمُّهما والمشركين من الإصرار على ما هم عليه إلى الموت وإيراد لا

1 / 152