{ وأخذ برأس أخيه يجره إليه } [ الأعراف : 150 ] فقال له هارون : { يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } [ طه : 94 ] . فأرسله موسى وأقبل على السامري وقال : ما خطبك يا سامري؟ ولم صنعت ما أرى؟ قال : بصرت بما لم يبصروا به ، يعني بني إسرائيل . قال : وما الذي بصرت به؟ قال : رأيت جبريل على فرس ، فألقي في نفسي أن أقبض من أثره قبضة ، فما ألقيت عليه من شيء كان له روح ودم . فحين رأيت قومك سألوك أن تجعل لهم إلها فكذلك سولت لي نفسي أن أصنع إلها ، ثم ألقي عليه القبضة فيصير ربا لبني إسرائيل ، فيعبدونه بين ظهرانيهم .
فغضب موسى فأمر بالسامري أن يخرج من محلة بني إسرائيل ولا يخالطهم في شيء ، فأمر بالعجل فذبح ثم أحرقه بالنار . فمن قرأ { لنحرقنه } [ طه : 97 ] فهو يريد لنبردنه ومن قرأها لنحرقنه فهو يريد لنحرقنه بالنار . وهي أعجب القراءتين إلي ، لأن الحريق للذهب الذي لا تحرقه النار آية عجيبة لموسى . فسلط الله عليه النار فأحرقته فلما أحرقته النار ذراه موسى في اليم ، وهو البحر .
ثم أتاهم موسى بكتاب ربهم فيه الحلال والحرام والحدود والفرائض . فلما نظروا إليه قالوا : لا حاجة لنا فيما أتيتنا به ، فإن العجل الذي حرقته كان أحب إلينا مما أتيتنا به ، فلسنا قابليه ولا آخذين ما فيه . فقال موسى : يا رب ، إن عبادك بني إسرائيل ردوا كتابك ، وكذبوا نبيك ، وعصوا أمرك . فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل ، فغشوا به بني إسرائيل ، حتى أظلوا به عسكرهم ، فحال بينهم وبين السماء . فقال موسى : إما أن تأخذوا هذا الكتاب بما فيه ، وإما أن يلقى عليكم الجبل فيشدخكم . فقالوا : سمعنا وعصينا . أي : سمعنا الذي تخوفنا به ، وعصينا الذي تأمرنا به . ثم أخذوا الكتاب ، ولم يجدوا بدا من أخذه . ورفع عنهم الجبل . فنظروا في الكتاب ، فبين راض وكاره ، ومؤمن وكافر . يقول الله : { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون } أي : لكي تشكروا . فندم القوم على ما صنعوا وعابتهم موسى وعيرهم بالذي صنعوا ، وقال : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم ، أي إلى خالقكم . فقالوا : كيف التوبة يا موسى؟ قال : فاقتلوا أنفسكم ، يعني يقتل بعضكم بعضا . ذلكم ، أي : المتاب ، خير لكم عند خالقكم . قالوا : قد فعلنا يا موسى . فأخذ عليهم العهد والميثاق : لتصبرن للقتل ولترضون به . قالوا : نعم . قال : فأصبحوا في أفنية بيوتكم ، كل بني أب على حدتهم ، ففعلوا . فأمر موسى السبعين الذين لم يكونوا عبدوا العجل من بني إسرائيل أن يأخذوا السيوف ثم يقتلون من لقوا . ففعلوا ، فمشوا في العكسر ، فقتلوا من لقوا . فبلغنا والله أعلم أن الرجل من بني إسرائيل كان يأتي قومه في أفنية بيوتهم جلوسا فيقول : إن هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف ، فاتقوا الله واصبروا ، فلعنة الله على رجل حل حبوته ، أو قام من مجلسه ، أو أحد إليهم طرفا ، أو اتقاهم بيد أو رجل ، فيقولون : آمين . فجعلوا يقتلون من لقوا . ثم نزلت الرحمة من الله فرفع عنهم السيف وتاب الله عليهم . [ وذلك قوله : { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } . وكانت قتلاهم فيما بلغنا ، والله أعلم سبعين ألفا .
وقال بعض المفسرين : أمروا أن ينتحروا بالشفار . فلما بلغ الله فيهم نقمته سقطت الشفار من أيديهم ، فكان للمقتول شهادة ، وللحي توبة .
Bogga 25