154
قال : { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } . قال بعضهم : ذلك يوم أحد؛ كانوا يومئذ فريقين؛ فأما المؤمنون فغشاهم الله النعاس أمنة منه ورحمة . قال أبو طلحة : أنا يومئذ ممن غشيه النعاس ، فجعل سيفي يسقط من يدي فآخذه ، فيسقط فآخذه . والطائفة الأخرى : المنافقون ليس لهم همة إلا أنفسهم .
قوله : { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء } . قال الكلبي : هم المنافقون قالوا لعبد الله بن أبي : قتل بنو الخزرج ، فقال : وهل لنا من الأمر من شيء .
قال الله : { قل إن الأمر } [ يعني النصر ] { كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا } قال الكلبي : كان ما أخفوا في أنفسهم أن قالوا : لو كنا على شيء من الحق ما قتلنا هاهنا ، ولو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل .
قال الله للنبي : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم } أي يظهر ما في قلوبكم . وقال : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } [ آل عمران : 179 ] أي فقد ميز يوم أحد المنافقين من المؤمنين . { والله عليم بذات الصدور } أي بما في الصدور .
قوله : { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } وهو يوم أحد { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم } .
كان الله قد أوجب لمن فر يوم بدر النار ، ثم كانت أحد بعدها ، فأنزل الله : { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم } . وقال بعضهم : كان أناس من أصحاب النبي عليه السلام تولوا عن القتال وعن النبي يوم أحد ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله : { ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم } .
وقال الكلبي : لما أصاب رسول الله المشركين يوم أحد جعل الرماة خمسين ، فأمر عليهم رجلا من الأنصار ، وجعلهم قبل خيل المشركين ، وأمرهم أن لا يريموا مكانهم؛ وقال : إن الخيل تحركت فارموا برشق من النبل ، واستنفدوا النبل . فلما هزم الله المشركين ودخل المؤمنون عسكرهم رأتهم الرماة ، وهم يأخذون الأسلاب ، قالوا : أدركوا الغنيمة لا يسبقكم بها الناس . وقالت طائفة منهم : بل نثبت مكاننا . فرجعت طائفة وثبتت طائفة . فحملت الخيل على من ثبت منهم فقتلوهم ، ثم دخلوا العسكر ، وقتلوا من وجدوا من أصحاب رسول الله A وسلبوهم .
Bogga 192