البخيل أيضًا مبغوض من الناس مخذول منهم، فلا يجد في ملماته معينًا، ولا في نوائبه معزيًا، فهو أيضًا ضعيف الجانب لا قوة له. فالمسرف ضيع المال، والبخيل ضيع الإخوان، فكلاهما مكسور الظهر، عديم الظهير.
...
والمخاطب بهذا الخطاب إما مفرد غير معيّن؛ فيشمل جميع المكلفين غير النبي- ﵌ لأنه كان يأخذ لعياله قوت سنتهم حين أفاء الله عليه النضير، وفدك، وخيبر (١)، ثم يصرف ما بقي في الحاجات حتى يأتي أثناء الحول، وليس عنده شيء، ولا كان ملومًا ولا محسورًا، بل كان على ذلك صبارًا شكورًا مشكورًا.
وإما هو (٢) النبي- ﵌ والمراد أمته؛ وعادة العرب أن تخاطب سيد القوم، تريد القوم، وتعبر بالمتبوع عن أتباعه. ونظير هذه الآية في ذلك: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤]، و﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥].
فالنبي- ﵌ غير داخل في هذا الخطاب بإجماع.
وقد تقدم قوله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾ يعني الوالدين، وكان والداه عليهما الرحمة قد توفيا، فلم يدخلا في الخطاب قطعًا فكذلك هنا.
...
قال الإمام ابن العربي في تعليل عدم دخوله- ﵌ في هذا الخطاب:
لما هو عليه من الخلال، والجلال، وشرف المنزلة، وقوة النفس على الوظائف، وعظيم العزم على المقاصد.
فاما سائر الناس: فالخطاب عليهم وارد، والأمر والنهي- كما تقدم- إليهم متوجه.
إلاّ أفرادًا أُخرجوا من ذلك بكمال صفاتهم، وعظيم أنفسهم، منهم أبو بكر الصديق؛ خرج عن جميع ما يملك للنبي ﵌ فقبله منه الله سبحانه، وأشار على أبي لبابة وكعب بالثلث من جميع ما لهم؛ لنقصهم عن هذه المرتبة في أحوالهم.