يكون نبيًا عبدًا، فاختار أن يكون نبيًا عبدًا (١). وكان ذلك تواضعًا منه.
ولا ينفي هذا أنه- ﵌ كما كان مبلغًا عن الله ﵎، كان قائمًا على الحكم والتنفيذ وإدارة الشؤون العامة، وتنظيم المجتمع، مما يسمى ملكًا نبويًا مستندًا إلى الوحي الإلهى؛ لأن التحيز راجع إلى حالته الشخصية الكريمة، فخير بين أن يكون لشخصه من مظاهر الملك مثل ما كان سليمان، أو لا تكون له تلك المظاهر، فاختار ألاّ تكون، وأن يكون مظهره مظهرًا عاديًا مثل مظهر العبد العادي.
كما أن سليمان- ﷺ الذي كان ملكًا نبيًا لم ينف عنه العبودية، وإنما ينفي عنه مظهرها العادي.
فهما حالتان للقائمين على الملك جائزتان، كان على إحداهما سليمان، وعلى الأخرى محمد عليهما الصلاة والسلام.
وحالة أفضل النبيين أفضل الحالتين. وقد اختار عمر ﵁ الفضلى، وأقر معاوية على الفاضلة الأخرى.
...
ولما كان محمد ﷺ جاء بملك النبوة، كان القرآن العظيم جامعًا للأصول التي ينبنى عليها ذلك الملك، وجاء فيه مثل هذه الآيات التي نكتب عليها، ليبين صورة ملك النبوة، ومظهرًا صادقًا من مظاهره فيما قصت علينا من ملك سليمان ﵇. وهي ثلاثون آية، من الآية الخامسة عشرة من سورة النمل، إلى الآية الرابعة والأربعين منها:
الفصل الأول الآية الأولى:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)﴾ [النمل: ١٥].
﴿علمًا﴾ نوعًا عظيمًا ممتازًا من العلم جمعا به بين الملك والنبوة، وقاما بأمر الحكم والهداية.
﴿وقالا﴾ قولهما متسبب وناشىء عن العلم، لكنه لو قيل: "فقالا" بالفاء، لما أفاد أن غير