وقد جاء التنبيه على هذا في السنة المطهرة: فعن النعمان بن بشير- ﵁ قال: قال رسول الله- ﵌:
«الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثم قرأ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]. رواه أحمد والترمذي وأبو داود ﵏ والنسائي وابن ماجة (١).
وعن أنس- ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ» رواه الترمذي (٢) ﵀.
فتطابق الأثر والنظر على أن الدعاء عبادة فمن دعا غير الله فقد عبده وإن كان هو لا يسمي دعاءه لغير الله عبادة؛ فالحقيقة لا ترتفع بعدم تسميته لها باسمها وتسميته لها بغير اسمها، والعبرة بتسمية الشرع التي عرفناها من الحديثين المتقدمين لا بتسميته.
لما ثبت أن الدعاء عبادة فالداعي عابد، والمدعو معبود، والمعبود إلاه؛ فمن دعا شيئًا فقد اتخذه إلهه؛ لأنه فعل له ما لا يفعل إلاّ للإله؛ فهو وإن لم يسمّه إلهًا بقوله فقد سماه بفعله؛ ألا ترى إلى أهل الكتاب لما اتبعوا أحبارهم ورهبانهم في التحليل والتحريم- وهما لا يكونان إلاّ من الرب الحق العالم بالمصالح- قال الله تعالى فيهم:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٣١]. وإن كانوا لا يسمونهم فحكم عليهم بفعلهم، ولم يعتبر منهم عدم التسمية لهم أربابًا بألسنتهم.
فكذلك يقال فيمن دعا شيئًا أنه اتخذه إلها نظرًا لفعله وهو دعاؤه ولا عبرة بعدم تسميته له إلهًا بلسانه.
وفي حديث عدي بن حاتم الذي رواه الترمذي وغيره، أنه قال للنبي- ﵌ لما سمعه يقرأ هذه الآية (٣): "إنهم لم يكونوا يعبدونهم؟ ".
فقال رسول الله ﵌:
«أليس كانوا إذا حرموا عليهم شيئًا حرموه، وإذا أحلوا لهم شيئًا أحلوه؟» قال: "قلت نعم" قال: «فتلك عبادتهم إياهم» (٤).
قال الإمام الجصّاص: ولما كان التحليل والتحريم لا يجوز إلاّ من جهة العالم بالمصالح، ثم