71
{ قال إنه يقول إنها بقرة لا } هى { ذلول تثير الأرض } وهذه الإثارة سبب الذل { ولا } هى { تسقى الحرث } أو لاصلة بين النعت والمنعوت أو منزلة مع مدخولها منزلة اسم ، كما مر ، والذلول التى ذلت ، وإثارة الأرض قلبها وشقها للزرع ، والحرث الأرض المشقوقة للزراعة ، أو ما وضع فيها من البذر والمراد أنه ليس يحرث بها فتذل ، كما أنها ليست تسقى الحرث فتذل ، فتثير فى حيز النفى ، وقيل ، هى تثير الأرض بأظلافها لقوتها ، وبطرها ومرحها ، فالإثارة صفة أخرى لها فى الإثبات ، وقيل ، هى وحشية إذا كانت لا تثير ولا تسقى ، وقيل : هى من السماء ، والقولان ضعيفان { مسلمة } من العيوب ، كالعور والعرج وانكسار القرون ومن كل عيب كهزال ، لكثرة الحمل عليها { لاشية فيها } لا شىء من اللون فيها يحالف لونها ، حتى قيل ظلفها وقرنها وأهداب عينيها صفر ، تشديد على أنفسهم أورثهم تشديدا فى ثمنها عليهم .
قال A : « لو ذبحوا أى بقرة كانت لأجزأتهم ، ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم » ، والصحيح أن هذا موقوف على ابن عباس ، لا مرفوع .
ومرادهم طلب البيان لاستبعادهم إحياء ميت ببقرة ميتة ، ظنوا أنها ليست من سائر البقر ، وهى منها فى قدرة الله ، وتعينت هذه فى قضائه تعالى ، وتأخير البيان ممنوع عن وقت التكليف ، لا عن وقت الخطاب . { قالوا الئن } لا قبل { جئت بالحق } البين التام ، وهو الوصف الأخير ، إذ قال ، لا ذلول . . . الخ ، ومن قبل جئت بحق لم نفهمه باتضاح ، وعرفوا أنه الحق البيت التام ، لأنه ما وجد على هذا الوصف إلا واحدة ، فزال بها تشابه البقر عليهم ، وجدوها عند فتى بار بأمه ، وقال له ملك : اذهب إلى أمك ، وقل لها : امسكى هذه البقرة ، فإن موسى بن عمران يشتريها منك بملء مسكها ذهبا . ويروى أن ملكا قال : شاور أمك ، ولا تبعها إلا بمشورتى ، فلم يشر بالبيع حتى سيمت بملئه ذهبا . وكانت البقرة فى ذلك بثلاثة دنانير ، وهى من بقر الأرض ، لا كما قيل ، نزلت من السماء لأنه لا دليل له ، قيل : ولأن قولهم ، الآن جئت بالحق يناسب أنهم يبحثون عنها فى بقر الأرض ، وإلا قالوا : لا نقدر عليها : قالت ، لا يلزم هذا ، وفرقوا ثمنها على بنى إسرائيل فأصاب كل فريق ديناران { فذبحوها وما كادوا يفعلون } ذبحها ، أى ذبحوها بعد ما اتصفوا بالبعد عنه ، تباعدوا عن ذبحها جدا ولم يقربوا منه ، ومع ذلك اتصلوا بها بعد ذلك ، وملكوها وذبحوها ، ونفى كاد نفى ، وإثباتها إثبات كسائر الأمثال ، وأخطأ من قال غير ذلك ، وذلك أنه طال الوقت لكثرة مراجعتهم لموسى فى بيانها وطول زمان التفتيش عنها ، وتوقف أم الفتى فى بيعها ، ولأجل الزيادة الخارجة عن العادة فى ثمنها ، ولخوف فضيحة القاتل ، وغلا ثمنها ، ويبعد ما قيل : إنهم طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة ، ومن خطأ المحدثين أنهم لا يكادون ينطفون بخبر كاد غير مقرون بأن مع أن قرنه قليل ، وأنهم دائما يقولون مثنى مثنى ، ولا يقتصرون على مرة ، حاشاه A عن ذلك .
Bogga 86