{ ولله ملك السماوات والأرض } ملكا وخلقا وتدبيرا { ويوم تقوم الساعة } القيامة { يومئذ يخسر المبطلون } وإنما كان خاسرا لأنه يدخل النار فيهلك نفسه، وقيل: المبطل خاسر في الأحوال كلها ولكن يظهر الخسران يوم القيامة { وترى كل أمة جاثية } ، قيل: الملل المختلفة، وقيل: أرباب الملك والعصاة { كل أمة } من الأمم { تدعى إلى كتابها } ، قيل: الكتب التي فيها أعمالهم كتبها الحفظة، وقيل: كتابها المنزل على رسول الله ليسألوا ما عملوا به { اليوم تجزون ما كنتم تعملون } { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } ، قيل: ديوان الحفظة المعهود عليهم وفيه شهادة الملائكة، وأضاف النطق إلى الكتاب توسعا، وعن علي (عليه السلام): " إن لله ملائكة ينزلون في كل يوم يكتبون أعمال بني آدم " ، وقيل: يشهدوا عليكم بما عملتم بالحق من غير زيادة ولا نقصان { إنا كنا نستنسخ } ، قيل: نكتب، وقيل: نحفظ { ما كنتم تعملون } { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته } أي نعمته وهي الجنة { ذلك الفوز المبين } الواضح { وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم } يعني القرآن وسائر الأحكام تتلى عليكم { فاستكبرتم } عن سماعه { وكنتم قوما مجرمين وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها } أي لا شك فيها، أي لا شك في كونها { قلتم } أيها الكافرون { ما ندري } حديث القيامة أنه حق أن نظن إلا ظنا { وما نحن بمستيقنين } يعني لا نعلم نفسا أنها كائنة { وبدا لهم سيئات ما عملوا } ، قيل: أظهر أعمالهم القبيحة وكانوا ظنوها حسنة، وقيل: ظهر جزاء أعمالهم السيئة وكانوا يعدونها طاعة { وحاق بهم } ، قيل: حل بهم { ما كانوا به يستهزئون } من العذاب { وقيل اليوم ننساكم } نترككم في العذاب كما تركتم الايمان بيومكم هذا، وقيل: نترككم في العذاب بمنزلة المنسى { ومأواكم النار } منزلتكم ومقامكم هذا { وما لكم من ناصرين } ينجيكم من العذاب { ذلكم } يعني هذا العذاب الذي نزل بكم { بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا } أي استهزاء ولعبا { وغرتكم الحياة الدنيا } أي ملاذها وزينتها وأضاف الغرور إليها توسعا لأنها سبب الغرور { فاليوم لا يخرجون منها } أي العذاب { ولا هم يستعتبون } أي لا يقبل منهم العتبى وهو إعطاء الرضى { فلله الحمد } أي الشكر في إنعامه بالجزاء وتمييز المحسن من المسيء { رب السماوات ورب الأرض رب العالمين } يعني وحدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء من السماوات والأرض والعالمين { وله الكبرياء } أي العظمة والعلو والرفعة، وقيل: أراد عظيم نعمته على أهل السماوات والأرض { وهو العزيز } القادر على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء { الحكيم } في أفعاله فلا يعاب في شيء منها ولا يفعل إلا الحسن الجميل.
[46 - سورة الأحقاف]
[46.1-6]
{ حم } قد بينا ما فيه وأن بعضهم قال: اسم السورة، وبعضهم ذكر أنه إشارة إلى إعجاز القرآن، وبعضهم ذكر أنه إشارة إلى حدوثه، وبعضهم قال: إنها مفاتيح أسماء الله { تنزيل } يعني هذه السورة أو القرآن { تنزيل الكتاب } أنزله الله في كتابه { من الله العزيز } القادر على كل مقدور { الحكيم } في أفعاله العليم بكل شيء { ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } أي خلقهما بالحكمة والغرض الصحيح وتقدير { وأجل مسمى } ينتهي إليه وهو يوم القيامة { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } أي هو ذلك اليوم الذي لا بد لكل خلق من انتهائه إليه معرضون لا يؤمنون به ولا يهتمون بالاستعداد له { قل } يا محمد { أرأيتم ما تدعون من دون الله } أي تدعونه إلها { أروني ماذا خلقوا من الأرض } كما أن الله خلق جميع الأرض وابتدعها { أم لهم شرك في السماوات } يعني ليس لهم شرك في خلقهما ولا إمساكها { ائتوني بكتاب } فيه حجة لكم { من قبل هذا } الكتاب وهو القرآن، يعني أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وإبطال الشريك، وما من كتاب أنزله من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك، وأتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله { أو أثارة من علم } بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين { إن كنتم صادقين } فيما تزعمونه { ومن أضل ممن يدعو من دون الله } أي لا أحد أضل عن طريق الرشد ممن يدعو من دون الله { من لا يستجيب له } إذا دعاه لأنه جماد وهي الأوثان { إلى يوم القيامة } وإذا قامت القيامة { وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا } عليهم ضدا، لا يتولاهم في الدنيا بالاستجابة وفي الآخرة يعاديهم، ويجحد عبادتهم حين أنطقها الله، ويجوز أن يريد كل معبود من دون الله من الجن والإنس والأوثان.
[46.7-10]
{ وإذا تتلى عليهم } على هؤلاء الكفار { آياتنا } قيل: آيات القرآن { بينات } واضحات ظاهرات { قال الذين كفروا للحق } وسائر الحجج { لما جاءهم هذا سحر مبين } { أم يقولون افتراه } واختلقه من عنده كذبا { قل إن افتريته } يعني كذبت في هذا القرآن أنه منزل { فلا تملكون لي من الله شيئا } أي لا تقدرون على دفع ما يريد الله بي { هو أعلم بما تفيضون فيه } أي تتحاورون به بينكم وتخوضون فيه { كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور } لذنوب التائبين { الرحيم } بعباده قيل: يخوضون في أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكذيبه، وقيل: في القرآن غفور لم يعاجلهم بل انظرهم، رحيم يقبل توبتهم { قل } يا محمد { ما كنت بدعا من الرسل } أي ما أنا بأول رسول، يعني إذا لم أكن بأول رسول وقد خلت من قبلي الرسل فلم تنكروني؟ قال جار لله: ما كنت بدعا من الرسل فآتيكم بكل ما تقترحونه وأخبركم بكل ما تسألون عنه، وإن الرسل لم يكونوا يأتون إلا ما آتاهم الله من آياته ولا يخبرون إلا بما أوحي إليهم، ولقد أجاب موسى فرعون في قوله تعالى:
قال فما بال القرون الأولى
[طه: 51]، قال:
علمها عند ربي
[الأعراف: 187] { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } ، وقيل: معناه لا أدعي علم غيب ولا معرفة ما يفعل بي ولا بكم من إحياء ولا إماتة والنعمة والجدب إلا أن يوحى إلي في ذلك شيء فاتبعه، وقيل: من صحة ومرض وغنى وفقر، وقيل: في أمر الهجرة أي لا أدري أترك ها هنا أو أؤمر بالهجرة إلى موضع آخر، وقيل: لما اشتد البلاء بأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى فيما يرى النائم وهو بمكة.....، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: " رأيت كذا وكذا فلا أدري ما يكون ذلك؟ " ، فنزلت الآية، وقيل: لا أدري فيما لم يوح إلي فأعلم { إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين } { قل } يا محمد { أرأيتم إن كان من عند الله } يعني القرآن { وكفرتم به } ألستم ظالمين { وشهد شاهد من بني إسرائيل } هو عبد الله بن سلام
Bog aan la aqoon