ومعنى يقرض الله ينفق في طاعته وسبيله { أضعافا كثيرة } الحسنة بسبع مائة { والله يقبض ويبصط } قيل: يمسك ويضيق على من يشاء ويوسع على من يشاء في الرزق بحسب المصلحة، وقيل: يقبض الصدقات بالقبول ويبصط الجزاء عليها عاجلا وآجلا، وقيل: يقبض بموت واحد ويبصط للورثة.
[2.246-248]
قوله تعالى: { ألم تر الى الملأ } ألم تر معناه ألم تعلم يا محمد أو أيها السامع، { إلى الملإ } جماعة الأشراف { من بني اسرائيل من بعد موسى } أي من بعد موته { اذ قالوا لنبي لهم } أي لرسول اليهم، قيل: هو يوشع بن نون، وقيل: اسمه شمعون وهو من ولد لاوي بن يعقوب عن السدي، وقيل: اشمويل من ولد هارون عن وهب وعليه اكثر المفسرين وهو الذي رواه الفقيه شهاب الدين احمد بن مفضل رحمه الله تعالى { ابعث لنا ملكا } معناه اميرا يتصدر في تدبير الحرب عن رأيه وينتهى الى امره في تدبير الحرب وكذلك كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من التأمير على الجيوش يعني لقتال الجبابرة الذين كانوا في زمانهم، وقيل: قتال العمالقة { قال هل عسيتم } يعني لعلكم { إن كتب عليكم القتال } اذا فرض القتال مع ذلك { ألا تقاتلوا } تقولون ولا تقاتلون معه، وقيل: هل ظننتم ان كلفتم الجهاد ان لا تقوموا بحقه، قوله تعالى: { وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } وذلك ان قوم جالوت اسروا من ابناء ملوكهم اربع مائة واربعين رجلا { فلما كتب عليهم القتال } بعث الله لهم ملكا وكتب عليهم القتال { تولوا } أعرضوا عن الجهاد { إلا قليلا منهم } كان القليل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر { إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا } قيل: سمي طالوت لطوله، وقيل: أميرا على الجيش، وروي ان الرجل القائم كان يمد يده فينال رأسه، قيل: كان دباغا، وقيل: كان مكاريا { أنى يكون له الملك علينا } هذا اول اعتراضهم وانما قالوا ذلك لان النبوة كانت من سبط لاوي بن يعقوب (عليه السلام) ومنه موسى وهارون والملك من سبط يهودا ومنه داوود وسليمان ولم يكن طالوت من احد السبطين وقد قيل: ان طالوت من ولد بنيامين، قوله تعالى: { بسطة في العلم } بالحرب، وقيل: كان اعلم بني اسرائيل في وقته، وروي انه اوحي اليه، وقيل: كان اجمل بني اسرائيل في وقته { والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم } قيل: جواد، وقيل: واسع الفضل { إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت } الآية، التابوت صندوق التوراة وكان موسى (عليه السلام) اذا قاتل به تسكن نفوس بني اسرائيل ولا يفرون { فيه سكينة } السكينة هي السكون، وقيل: هي صورة فيه كانت من زبرجد او ياقوت لها رأس كرأس الهر وذنب كذنبه، وعن علي (عليه السلام): " لها وجه كوجه الانسان وفيها ريح هفافه " { وبقية } هي رصاص الألواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة وكان رفعه الله تعالى بعد موسى فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون اليه فكان { ذلك آية } لاصطفاء الله طالوت، وقيل: كان مع موسى ومع بني اسرائيل بعده فلما عبرت بنو اسرائيل غلبهم عليه الكفار فكان في أرض طالوت فلما اراد الله تعالى ان يملك طالوت أصابهم ببلاء حتى هلك خمس مدائن فقالوا: هذا بسبب التابوت فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة الى طالوت، وقيل: حجب به الملائكة بين السماء والأرض الى طالوت، وقيل: كان التابوت من الجنة وكان عند آدم ثم عند الانبياء حتى وصل إلى اسماعيل وروي ان طالوت لما انقادوا اليه قال لقومه: لا يخرج معي احد ممن هو مشغول بالتجارة ولا متزوج بامرأة قريبة ولا ابتغي الا الشباب الفراغ فاجتمع اليه ممن اختار ثمانون الفا، وقيل: سبعون الفا.
[2.249-251]
{ فلما فصل طالوت بالجنود } قيل: خرج بالعساكر فسألوا ان يجري الله تعالى نهرا فقال: { إن الله مبتليكم بنهر } مما اقترحتموه من النهر، وقيل: أنهم شكوا قلة الماء وخوف القتل وخوف التلف من العطش، وقيل: اراد التشديد للتكليف لمصلحة لهم، قوله تعالى: { فمن شرب منه فليس مني } اي ليس من أهل ديني { إلا من اغترف غرفة بيده } اي مرة او ملأ الكف، روي انه كان من استكثر منه عطش ومن اغترف غرفة روي، وروي ان الغرفة كانت تكفي الرجل ودوابه والذين شربوا منه اسودت شفاههم وغلبهم العطش { إلا قليلا منهم } قيل: كانوا عدد أهل بدر، { فلما جاوزه } يعني جاوز النهر { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } قيل: هم أهل الكفر والدين انخزلوا من طالوت { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله } أي ملاقوا جزائه { كم من فئة قليلة } الآية { والله مع الصابرين } بالنصر والحفظ { ولما برزوا لجالوت وجنوده } جالوت جبار من العمالقة من اولاد عمليق بن عاد وكانت بيضته فيها ثلاثمائة رطل، قوله تعالى: { ربنا افرغ علينا صبرا } يعني وفقنا للصبر على الجهاد { وثبت أقدامنا } أي وفقنا للثواب { وانصرنا على القوم الكافرين } أي على جهادهم ويدل على ان الواجب علينا أي نقتدي بهم في ذلك، قوله تعالى: { فهزموهم بإذن الله } يعني بنصره، قوله تعالى: { وقتل داوود جالوت } قيل: كان إيشى ابو داوود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه وكان داوود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم فاوحى الله الى النبي اشمويل ان داوود بن إيشى هو الذي يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد مر في طريقه بثلاثة احجار دعاه كل واحد منهما ان يحمله وقالت له: انك تقتل بنا جالوت فحملها في مخلاته ورمى بها جالوت فقتله، وقيل: رماه بحجر فوقع بين عينيه وخرج من قفاه واصاب جماعة من عسكره { وآتاه الله الملك } في مشارق أرض بيت المقدس ومغاربها { والحكمة } وهي النبوة { وعلمه مما يشاء } من صنعة الدروع وكلام الطير والنمل، وقيل: امور الدنيا، وقيل: الزبور والحكم، قوله تعالى: { ولولا دفع الله الناس } لولا ان الله دفع بعض الناس ببعض يعني لولا دفع الله بجنود المسلمين الكفار، وقيل: لولا ان ينصر الله تعالى المسلمين على الكفار { لفسدت الارض }.
[2.252-254]
قوله تعالى: { تلك آيات الله } يعني القصص التي قصها من حديث الالوف ونزول التابوت من السماء وغلبة الجبارين على يدي صبي، قوله تعالى: { تلك الرسل } التي تقدم ذكرها { منهم من كلم الله } وهو موسى (عليه السلام) { ورفع بعضهم درجات } ومنهم من رفعه في الفضل على سائر الانبياء (عليهم السلام) والظاهر انه اراد تعالى نبينا وسيدنا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أوتي ما لم يؤت احد من الآيات الى الغاية او اكثر ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكان كافيا لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر، قوله تعالى: { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } أي الحجج وهو ما أتاه من المعجزات والكتاب، قوله تعالى: { وأيدناه بروح القدس } قيل: الروح جبريل (عليه السلام)، وقيل الاسم الذي كان يحيي به الموتى { ولو شاء الله ما اقتتلوا } قيل: أي مشيئة الاكراه اي لو شاء ان يجيرهم ويمنعهم لفعل من بعدهم أي من بعد موسى وعيسى واتباعهم، وقيل: اليهود والنصارى فمنهم من آمن لالتزامه دين الانبياء ومنهم من كفر باعراضه عنه { ولو شاء الله ما اقتتلوا } مكرر للتوكيد { يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم } اراد الانفاق الواجب لاتصال الوعيد به { من قبل أن يأتي يوم } يعني قدموا ليوم القيامة قبل اتيانه { لا بيع فيه } أي لا تجارة { ولا خلة } أي لا صداقة لأنهم بالمعاصي يصيرون أعداء، وقيل: شغله بنفسه يمنع من صداقة غيره والله أعلم.
[2.255-257]
فصل في آية الكرسي
نفع الله بها منقول من الكشاف روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال:
Bog aan la aqoon