{ وجزاء سيئة سيئة مثلها } سمي الجزاء على الشيء باسم الشيء وإن كان الثاني حسنا كقول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فجهل فوق جهل الجاهلينا
{ فمن عفى وأصلح فأجره } لأنه من الأعمال الصالحة { فأجره } أي ثوابه { على الله } وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" إذا كان يوم القيامة نادى منادي: من له على الله أجر فليقم، قال: فيقوم خلق كثير فيقال لهم: ما أجوركم على الله؟ فيقولون: نحن الذين عفونا عن من ظلمنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة بإذن الله "
{ إنه لا يحب الظالمين } أي لا يريد اعزاز الظالمين { ولمن انتصر بعد ظلمه } أي انتقم من ظالمه بعد أن ظلمه، والانتقام بالقصاص { فأولئك ما عليهم من سبيل } أي يأثم { إنما السبيل } أي الإثم والعقاب { على الذين يظلمون الناس } ابتداء { ويبغون في الأرض بغير الحق } ويظلموا في الأرض بغير الحق { أولئك لهم عذاب أليم } موجع { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } أي تحمل المشقة في رضى الله وغفر لأخيه فإن ذلك من عزم الأمور، أي من ثابت الأمور التي أمر الله بها { ومن يضلل الله } ، قيل: يعذبه ويهلكه يوم القيامة باستحقاقه ذلك، وقيل: يضله عن رحمته وجنته { فما له من ولي من بعده } أي أضر من بعده سوى الله { وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل } أي إلى رجعة إلى الدنيا { وتراهم يعرضون عليها } أي على النار { خاشعين } أي خاضعين { ينظرون من طرف خفي } أي من عين خفي قيل: دليل، وقيل: يسارقون النظر، وقيل: من عين لا تفتح كلها إلى النار لعظم ما فيها من العذاب، وقيل: ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم عمي والنظر بالقلب خفي { وقال الذين آمنوا } لما رأوا ما نزل بالظالمين { إن الخاسرين } في الحقيقة { الذين خسروا أنفسهم } لأن رأس المال هو النفس فإذا أوثقوها فلا خسران أعظم منه لأنهم أهلكوها بالعذاب وفوتوها نعيم الجنة { وأهليهم } ، قيل: أزواجهم وأولادهم، وقيل: أهليهم من الحور العين { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } دائم، وقيل: هذا تمام كلام المؤمنين، وقيل: خبر مبتدأ من الله في عذاب مقيم، يعني الظلمة { وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله } أي لا ولي لهم ولا ناصر يتولى تخليصهم من العذاب { ومن يضلل الله فما له من سبيل } ، قيل: هذا جواب قولهم: { هل إلى مرد من سبيل } يعني من أهلكه الله فما له من طريق إلى النجاة، وقيل: من أبعده الله من الجنة ما يرشده أحد إليها.
[42.47-50]
{ استجيبوا لربكم } أي أجيبوا ما يدعوكم إليه من الايمان { من قبل أن يأتي يوم } يعني بادروا إلى الطاعة قبل يوم القيامة، وقبل يوم الموت { لا مرد له من الله } أي لا يقدر أحد على رده { ما لكم من ملجأ يومئذ } والملجأ ما يلجأ اليه من معقل يعصمهم من العذاب { وما لكم من نكير } ناصر { فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا } تحفظهم عن اعتقاد خلاف الحق { إن عليك إلا البلاغ } يعني إبلاغ الرسالة ليس عليك غير ذلك { وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها } عجبا وبطرا ولم يشكر الله { وإن تصبهم سيئة } أي يمسهم من مرض أو فقر { فإن الانسان كفور } يجحد النعمة فحاله بخلاف حال المؤمن وإذا أصابته نعمة شكر أو محنة صبر وعلم أن جميع ذلك مصلحة { لله ملك السماوات والأرض } أي هو القادر على إحداثهما وإمساكهما { يخلق ما يشاء } من أنواع الجواهر والأعراض والجنين في الأرحام { يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور } { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما } ، قيل: نزلت في الأنبياء (صلوات الله عليهم)، وهب لشعيب ولوطا إناثا ولابراهيم ذكورا ولمحمد ذكورا وعيسى ويحيى عقيمين، يعني أنه { يهب لمن يشاء إناثا } فلا يولد ذكر { ويهب لمن يشاء الذكور } البنين { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } أي يولد له الابن والابنة، وقيل: يجتمع في الرحم الذكر والأنثى فيكونا توأمين { ويجعل من يشاء } من الرجال والنساء { عقيما إنه عليم } بمصالح العباد { قدير } قادر على تكوين ما يصلحهم.
[42.51-53]
{ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } وما صح لأحد أن يكلمه الله إلا على أحد ثلاثة أوجه: إما على طريق الوحي وهي الإلهام والقذف في القلب، أو المنام كما أوحى إلى موسى وإبراهيم (عليهم السلام) في ذبح ولده، وعن مجاهد: أوحى الله إلى داوود الزبور في صدره، واما أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام غير أن يبصره السامع من يكلمه { أو من وراء حجاب } فيسمع صوته ولا يرى شخصه وذلك كما كلم موسى وكلم الملائكة، وأما على أن { يرسل رسولا } من الملائكة { فيوحي } إليه كما كلم الأنبياء غير موسى والله تعالى لا يجوز عليه الحجاب ولا يكون كلامه كلام من يرى ومن يدرك، وقيل: يحجب ذلك الكلام عن جميع خلقه إلا ممن يريد أن يكلمه به نحو كلامه لموسى في المرة الأولى خلاف كلامه له في المرة الثانية لأنه سمع ذلك معه السميعون عن أبي علي، وقيل: حجاب لمحل الكلام، وقيل: بمنزلة ما يسمع من وراء الحجاب { أو يرسل رسولا } من الملك ما يأتي به النبي فيسمعه منه فيؤديه إلى الخلق { بإذنه } ، قيل: بأمره { ما يشاء } يعني يوحي كما يشاء أنه علي عن صفات المخلوقين { حكيم } يجري أفعاله على موجب الحكمة فكلم تارة بواسطة وأخرى بغير واسطة وإما الهاما وإما خطابا { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } يريد ما أوحى اليه لأن الخلق يحيون له في دينهم كما يحيى بالروح { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } يا محمد، ما الكتاب قيل: ما كنت تعلم أن الكتاب يأتيك وما كنت تعلم بالإيمان بالكتاب فعد نعمة عليه، وقيل: أراد بالإيمان الصلاة كقوله:
Bog aan la aqoon