Tafsir Baghawi
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Tifaftire
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Daabacaha
دار طيبة للنشر والتوزيع
Daabacaad
الرابعة
Sanadka Daabacaadda
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
شَرَطْتَ عَلَيَّ صَدَاقًا وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ فَقَالَ لَا أُكَلِّفُكَ إِلَّا مَا تُطِيقُ أَنْتَ رَجُلٌ جَرِيءٌ وَفِي حِيَالِنَا أَعْدَاءٌ لَنَا غُلْفٌ (١) فَإِذَا قَتَلْتَ مِنْهُمْ مِائَتَيْ رَجُلٍ وَجِئْتَنِي بِغُلْفِهِمْ زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي فَأَتَاهُمْ فَجَعَلَ كُلَّمَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ نَظَمَ غُلْفَتَهُ فِي خَيْطٍ حَتَّى نَظَمَ غُلْفَهُمْ فَجَاءَ بِهَا إِلَى طَالُوتَ فَأَلْقَى إِلَيْهِ وَقَالَ ادْفَعْ إِلَيَّ امْرَأَتِي فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَأَجْرَى خَاتَمَهُ فِي مُلْكِهِ، فَمَالَ النَّاسُ إِلَى دَاوُدَ وَأَحَبُّوهُ وَأَكْثَرُوا ذِكْرَهُ، فَحَسَدَهُ طَالُوتُ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَأَخْبَرَ ذَلِكَ ابْنَةَ طَالُوتَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْعَيْنَيْنِ فَقَالَتْ لِدَاوُدَ إِنَّكَ مَقْتُولٌ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَالَ: وَمَنْ يَقْتُلُنِي؟ قالت أبي ٤٣/ب قَالَ وَهَلْ أَجْرَمْتُ جُرْمًا قَالَتْ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا يَكْذِبُ وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَغِيبَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ حَتَّى تَنْظُرَ مِصْدَاقَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ أَرَادَ اللَّهُ ذَلِكَ لَا أَسْتَطِيعُ خُرُوجًا وَلَكِنِ ائْتِينِي بِزِقِّ (٢) خَمْرٍ فَأَتَتْ بِهِ فَوَضَعَهُ فِي مَضْجَعِهِ عَلَى السَّرِيرِ وَسَجَاهُ (٣) وَدَخَلَ تَحْتَ السَّرِيرِ فَدَخَلَ طَالُوتُ نِصْفَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ بَعْلُكِ؟ فَقَالَتْ: هُوَ نَائِمٌ عَلَى السَّرِيرِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً فَسَالَ الْخَمْرُ فَلَمَّا وَجَدَ رِيحَ الشَّرَابِ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ دَاوُدَ مَا كَانَ أَكْثَرَ شُرْبِهِ لِلْخَمْرِ، وَخَرَجَ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا طَلَبْتُ مِنْهُ مَا طَلَبْتُ لَخَلِيقٌ أَنْ لَا يَدَعَنِي حَتَّى يُدْرِكَ مِنِّي ثَأْرَهُ فَاشْتَدَّ حُجَّابُهُ وَحُرَّاسُهُ وَأَغْلَقَ دُونَهُ أَبْوَابَهُ، ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ أَتَاهُ لَيْلَةً وَقَدْ هَدَأَتِ الْعُيُونُ فَأَعْمَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْحَجَبَةَ وَفَتَحَ لَهُ الْأَبْوَابَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَوَضَعَ سَهْمًا عِنْدَ رَأْسِهِ وَسَهْمًا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَسَهْمًا عَنْ يَمِينِهِ وَسَهْمًا عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَالُوتُ بَصُرَ بِالسِّهَامِ فَعَرَفَهَا فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ تَعَالَى دَاوُدَ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ظَفِرْتُ بِهِ فَقَصَدْتُ قَتْلَهُ وَظَفِرَ بِي فَكَفَّ عَنِّي وَلَوْ شَاءَ لَوَضَعَ هَذَا السَّهْمَ فِي حَلْقِي وَمَا أَنَا بِالَّذِي آمَنُهُ، فَلَمَّا كَانَتِ الْقَابِلَةُ أَتَاهُ ثَانِيًا وَأَعْمَى اللَّهُ الْحُجَّابَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَخَذَ إِبْرِيقَ طَالُوتَ الَّذِي كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَكُوزَهُ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهُ وَقَطَعَ شَعَرَاتٍ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَيْئًا مِنْ هُدْبِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَهَرَبَ وَتَوَارَى، فَلَمَّا أَصْبَحَ طَالُوتُ وَرَأَى ذَلِكَ سَلَّطَ عَلَى دَاوُدَ الْعُيُونَ وَطَلَبَهُ أَشَدَّ الطَّلَبِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ طَالُوتَ رَكِبَ يَوْمًا فَوَجَدَ دَاوُدَ يَمْشِي فِي الْبَرِيَّةِ فَقَالَ: الْيَوْمَ أَقْتُلُهُ فَرَكَضَ عَلَى أَثَرِهِ، فَاشْتَدَّ دَاوُدُ وَكَانَ إِذَا فَزِعَ لَمْ يُدْرَكْ، فَدَخَلَ غَارًا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْعَنْكَبُوتِ فَنَسَجَ عَلَيْهِ بَيْتًا فَلَمَّا انْتَهَى طَالُوتُ إِلَى الْغَارِ وَنَظَرَ إِلَى بِنَاءِ الْعَنْكَبُوتِ قَالَ: لَوْ كَانَ دَخَلَ هَاهُنَا لَخَرَقَ بِنَاءَ الْعَنْكَبُوتِ فَتَرَكَهُ وَمَضَى، فَانْطَلَقَ دَاوُدُ وَأَتَى الْجَبَلَ مَعَ الْمُتَعَبِّدِينَ فَتَعَبَّدَ فِيهِ فَطَعَنَ الْعُلَمَاءُ وَالْعِبَادُ عَلَى طَالُوتَ فِي شَأْنِ دَاوُدَ فَجَعَلَ طَالُوتُ لَا يَنْهَاهُ أَحَدٌ عَنْ قَتْلِ دَاوُدَ إِلَّا قَتَلَهُ، وَأَغْرَى بِقَتْلِ الْعُلَمَاءِ فَلَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى عَالِمٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُطِيقُ قَتْلَهُ إِلَّا قَتَلَهُ، حَتَّى أُتِيَ بِامْرَأَةٍ تَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ فَأَمَرَ خَبَّازَهُ بِقَتْلِهَا فَرَحِمَهَا
(١) جمع أغلف، وهو الذي لم يختتن.
(٢) الزق: (بكسر الزاي) جلد شاة يسلخ من رجل واحدة، ومن قبل رأسه وعنقه، ثم يعالج حتى يكون سقاء، وكانوا أكثر ما يتخذونه للخمر.
(٣) غطاه ومد عليه ثوبا.
1 / 305