للرجاء فليس على الاعتبار به تعالى، فإن الرجاء لمن يخفى عليه العواقب، ولا يتمكن من كل ما يريده، والقصد بالآية " بتبين عفوه عنهم بعد ارتكابهم الجرائم ليتحروا شكره المقتضي لرحمته " تنبيهًا لنا أن نراعي عفوه وإحسانه - راجين بلوغ شكره بالأفعال الحميدة، وقوله: (من بعد ذلك): أي من بعد اتخاذكم العجل، وإنما لم يقل: (ذلكم) لأ، كاف الخطاب إذا اتصل بالمبهمات يصير كوصله لها وجزاءا منها، فتارة يعتبر فيه الأصل فيجمع، وتارة يعتبر فيه كونه وصلة لا خطابًا فيترك على حالته لا يثنى ولا يجمع.
قوله ﷿:
﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الآية (٥٣) - سورة البقرة.
الكتاب والفرقان: اسمان لشيء واحدٍ لكن يقالان باعتبارين مختلفين أما الكتاب، فلجمع الأحكام المتفرقة فيه، وأما الفرقان: فلكونه مفرقًا بين الحق والشبهة وبين الأحكام المختلفة، وأتى باللفظين تنبيهًا على تضمين التوراة للمعنيين وهذا أصح من قول من قال: تقديره: " وإذ آتينا موسى الكتاب ومحمدًا الفرقان " فغن التوراة والقرآن كل واحدٍ كتاب من وجهٍ، وفرقان من وجه، وقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ وما قالوه من أن الفرقان أريد به فرق البحر فلا يمتنع إرادته مع ما تقدم، والإيتاء منقول عن: أتيت لكن تعورف في الإعطاء لما كان الإعطاء ضربان من الإيتاء وقد تقدم الكلام في " لعل " وفي الابتداء.