206

Tafsirka

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

Noocyada

Fasiraadda

[224]

قوله عز وجل : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } ؛ نزلت هذه الآية في عبدالله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه حلف ألا يدخل على ختنه بشير بن النعمان الأنصاري ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين خصمه ؛ وجعل يقول : حلفت بالله أن أفعل ولا يحل لي إلا أن أبر في يميني ؛ فنزلت هذه الآية ؛ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه الآية ، وقال : " من حلف على يمين فرأى أن غيرها خير منها ؛ فليأت الذي هو خير ؛ وليكفر عن يمينه ، افعلوا الخير ودعوا الشر " وكفر ابن رواحة عن يمينه ورجع إلى الذي هو خير.

ومعنى الآية : { ولا تجعلوا الله } علة { لأيمانكم } أي لا تجعلوا اليمين بالله مانعة لكم من البر والتقوى ؛ وهو أن يجعل الرجل اليمين معترضا بينه وبين ما هو مندوب إليه أو مأمور به من البر والتقوى والإصلاح ؛ يفعل ذلك للامتناع من الخير ؛ لأن المعترض بين الشيئين يمنع وصول أحدهما إلى الآخر. ومعنى { أن تبروا وتتقوا } أي لا تبروا ولا تتقوا القطيعة ، ولا تصلحوا بين المتشاجرين كما قال امرؤ القيس : فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصاليأراد بذلك : لا أبرح ؛ وكان أبو العباس ينكر إضمار حرف النفي في هذه الآية ويقول : (هذا إنما يكون في تصريح اليمين) كقولك : والله أقوم ؛ بمعنى والله لا أقوم. وأما في مثل هذا الموضع ، فلا يجوز حذف حرف النفي. قال : (والصواب أن معناه : لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم كراهة أن تبروا). فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ؛ ونظير هذا قوله تعالى : { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين }[النور : 22].

وذهب بعض المفسرين إلى أن معنى الآية : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } أي لا تعترضوا باليمين بالله تعالى في كل حق وباطل ؛ وهو نهي عن كثرة الحلف ، لما في ذلك من الجرأة على الله عز وجل والابتذال لاسمه في كل حق وباطل. يقال : هذه عرضة لك ؛ أي عدة لك تبتذلها فيما تشاء. ومعنى { أن تبروا } على هذا الإثبات ؛ أي لا تحلفوا في كل شيء لأن تبروا إذا حلفتم وتتقوا المآثم فيها.

ويجوز أن يكون قوله تعالى : { أن تبروا } مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره ، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ؛ أي أولى. فعلى هذا يكون موضع { أن تبروا } رفعا. وعلى التأويل الأول يكون نصبا ؛ لأن معناه : لأن تبروا ، موضعه نصب بنزع الخافض.

وقال مقاتل : (نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف لا يصل ابنه عبدالرحمن حتى يسلم). وقال ابن جريج : (نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف لا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك).

قال المفسرون : هذا في الرجل يحلف بالله أن لا يصل رحمه ، ولا يكلم قرابته ، ولا يتصدق ، ولا يصنع خيرا ، ولا يصلح بين اثنين. فأمره الله تعالى أن يحنث في يمينه ويفعل ذلك الخير ويكفر عن يمينه. قوله تعالى : { والله سميع عليم } ؛ أي سميع لأيمانكم عليم بما تقصدون باليمين عند الحلف.

Bogga 206