Tafsirka
تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني
Noocyada
[195]
قوله عز وجل : { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ؛ وفي هذه الآية نهي عن البخل. معناه : تصدقوا يا أهل الميسرة ولا تمسكوا عن الإنفاق (في سبيل الله) فإن البخل ؛ والإمساك عن ذلك هو الهلاك. وهذا قول حذيفة والحسن وعكرمة وعطاء والضحاك. قال ابن عباس في هذه الآية : (أنفق في سبيل الله وإن لم يكن لك إلا سهم واحد ، ولا يقولن أحدكم أني لا أجد شيئا). وقال السدي : (أنفق في سبيل الله ولو عقالا).
وقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } معناه : ولا تلقوا أنفسكم ، فعبر بالبعض عن الكل كقوله تعالى : { ذلك بما قدمت أيديكم }[آل عمران : 182] و{ فبما كسبت أيديكم }[الشورى : 30]. وإنما حذف ذكر النفس هنا لأن في الباء دليلا عليه ؛ والباء زائدة كقوله تعالى : { تنبت بالدهن }[المؤمنون : 20]. والعرب لا تقول : ألقى بيده إلا في الشر ، والإلقاء في التهلكة معناه : ولا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة في الجهاد فتهلكوا. وقيل هو الإسراف في الإنفاق حتى لا يبقي له شيئا يأكله فيتلف. وقيل : هو أن يخرج بين الصفين فيستقتل من غير قصد بنكاية العدو.
وقيل : معنى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } أي لا يقل : ليس عندي شيء. وقال الحسن : (إنهم كانوا ينفرون للغزو ولا ينفقون من أموالهم ، فأنزل الله هذه الآية). وقال مقاتل : (لما أمر الله تعالى بالإنفاق ؛ قال رجل : أمرنا بالنفقة في سبيل الله ؛ فإن أنفقنا أموالنا بقينا فقراء ذوي مسكنة ، فقال الله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } يعني أنفقوا ولا تخشوا الفقر فإني رازقكم ومخلف عليكم).
وعن أبي الدرداء وأبي هريرة وعبدالله بن عمر وجابر وأبي أمامة والحسن بن علي لبن أبي طالب وعمران بن الحصين ؛ كلهم حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أرسل نفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ، ومن غزا بنفسه فأنفق فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم. ثم تلا هذه الآية { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } " أي{ ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون }[البقرة : 267].
وقال زيد بن أسلم : (إن رجالا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة ؛ فإما أن يعطوهم ؛ وإما كانوا عيالا ووبالا. فأمرهم الله تعالى بالإنفاق على أنفسهم في سبيل الله تعالى ، فإذا لم يكن عندك ما تنفق فلا تخرج نفسك بغير نفقة ولا قوة فتلقي بيدك إلى التهلكة ، فتهلك من الجوع والعطش أو من المشي). التهلكة : مصدر بمعنى الإهلاك ؛ وهو تفعلة من الهلاك. ولم يجئ من كلام العرب مصدر على تفعلة بضم العين إلا هذا. وقال بعضهم : التهلكة : كل شيء عاقبته إلى الهلاك.
Bogga 179