فما أنواع الافتراضات التي ربما تكون مستترة خلف هذا الحجاب؟ سنتناول نوعا وثيق الصلة بهذا الكتاب، وهو أن معظم المجالات التي ألهمت التفكير النقدي (الفلسفة الكلاسيكية، والعلوم الحديثة، وعلم النفس) وأدوات المفكر النقدي (مثل المنطق والحجاج)، قد نشأت في الحضارة الإغريقية القديمة وأوروبا قبل العصر الحديث وفي العصر الحديث، أما مفهوم «التفكير النقدي» فقد نشأ في الأساس بالولايات المتحدة. فهل أدت صياغة مفاهيم «التفكير النقدي» إلى الكشف عن حقائق كونية عن طبيعة الإنسان، مثل الاكتشافات العلمية كالجاذبية أو الطبيعة الذرية للمادة، أم ينبغي اعتبار تلك المفاهيم وليدة ثقافة معينة (غربية)؟ إذا كانت الإجابة هي الخيار الثاني، فهل يمكن أن توجد طرق فعالة للتفكير مستمدة من ثقافات أخرى وينبغي مراعاتها عند تدريس مهارات التفكير، أم يمكن لأشكال المنطق التي ندرسها أن تعبر عن إبداعات ثقافية (أو حتى فروض) لا حقائق كونية؟
إضافة إلى هذه الأسئلة الثقافية، كتبت بعض الباحثات في مجال النسوية، مثل كارين جيه وارن تحليلات للتفكير النقدي تناقش، على غرار تحليلات مماثلة للعلوم، إذا ما كانت الفروق والتسلسلات الهرمية وطرق التمييز بين الأدلة «السيئة» والأدلة «الجيدة» وكذلك التفكير المنطقي، تمثل نهجا ثنائية للمعرفة قد نتجت عن هياكل مثل الفلسفة أو العلوم أو المجال الأكاديمي ذاته، والتي سيطر عليها الرجال على مر التاريخ.
15
إن من يتفقون مع مناهج حركة التفكير النقدي بدرجة أكبر، ليسوا مستعدين لاختزال طرق علم أصول التعليم في الصور الميكانيكية من المنطق ومنهجيات الحجاج، لا سيما أنهم يتبنون الفئات غير الميكانيكية مثل الإبداع والخصال الشخصية والأخلاقيات. ثم إن البرامج السياسية التي يختارها بعض أنصار علم أصول التعليم النقدي والعمل النقدي، يثيرون في أنصار المناهج الأشهر التساؤلات عما إذا كان علم أصول التعليم النقدي والعمل النقدي، هما الخطوات الطبيعية التالية في تطور تدريس التفكير النقدي، أم إنها محاولات للاستعاضة عن تدريس كيفية التفكير، بتدريس ما نفكر به.
سنتوقف الآن عن مناقشة هذه الموضوعات المثيرة للاهتمام، وليس ذلك لأنها مشحونة بالسياسة؛ بل لأن النقاش بشأنها سرعان ما يتحول إلى أسئلة معقدة عن نظرية المعرفة، وهي فرع الفلسفة الذي يناقش كيف لنا أن نعرف أي شيء من الأساس. وبالرغم من ذلك، إذا اطلعت على المزيد من تلك الجدالات
16
فستلاحظ، حتى هذه المرحلة على الأقل، أن أنصار كل جانب لا يزالون يستخدمون الأدوات العامة للمفكر النقدي (المنطق، الحجاج، التواصل الإقناعي) لعرض آرائهم والدفاع عنها. (5) هل يمكن تدريس التفكير النقدي؟
مثلما هي الحال مع الأسئلة المتعلقة بتعريفات التفكير النقدي، فإن الجدالات المتعلقة بتدريس التفكير النقدي تدور بشأن أفضل طرق تدريسه، أكثر مما تدور بشأن إمكانية تدريس مهاراته من عدمها. فبالرغم من كل شيء، تدرس بعض أهم عناصر التفكير النقدي مثل المنطق، منذ ما يزيد على ألفي عام، أي إن هذه المادة أقدم كثيرا من أي مادة دراسية أخرى تشكل الآن جزءا من المناهج الدراسية التقليدية. لذا، ينبغي أن تركز النقاشات المتعلقة بتدريس التفكير النقدي وتعليمه على توقيت تدريس مهارات التفكير النقدي، وأماكن تدريسها وكيفية تحقيق ذلك، بدلا من التركيز على إمكانية تدريس مهارات التفكير النقدي من عدمها. (6) التوقيت المناسب للبدء
سنبدأ بمعالجة عنصر التوقيت، في كتاب «دماغ المراهق: دليل علمي لتنشئة المراهقين والشباب»،
17
Bog aan la aqoon